السبت، 14 مايو 2011

على هامش ملتقى القاهرة

   لم أكن أحد المشاركين في ملتقى القاهرة ولا حتى من المدعوين إليه ، إنما جئته من باب الفضول لا غير ، استجابة لإلحاح بعض زملائي للحضور ، فكان أن حضرت منه الجلسة الأخيرة المنعقدة الأربعاء الماضي في فندق ( بيراميزا ) أحد الفنادق السياحية الفخمة وسط القاهرة .
   عقد الملتقى باسم القضية الجنوبية ومناقشة رؤية لها ، وكنت محتارًا في نفسي بأي صفة أحضره هل بصفتي يمنيًا كما تقول هوية الجواز الذي أحمله في جيبي ، أو بصفتي حضرميًا كما يقول قلبي الذي بين جنبي ، وبين هذا وهذا فإني لا أستشعر لا رسميًا ولا نفسيًا أنني جنوبي ، لأن مصطلح الجنوب الذي تنسب إليه هذه القضية ما زال ، بصراحة ، غامض المدلول والهوية عندي .
   لكن لو سلمنا واتفقنا أننا كلنا أننا جنوبيين فما الذي يجمعنا الآن غير الألم الآني من الظلم الشمالي ، لكن هذا الظلم هل هو مرتبط بالشمال كجهة أو بالنظام القائم المتوقع سقوطه ، فإذا ما سقط هل سيبقى شيء يجمعنا ، إن الملتقى كان مشددًا على أن القضية الجنوبية لا تسقط بسقوط النظام ؟
   ولكن ماذا بعد ذلك ؟ سيقال أنه كانت تجمعنا دولة سابقة ، لكن هذه الدولة هي الأخرى أصبحت من غير هوية ظاهرة ، فهي قد اتخذت منذ ظهورها وخلال عشرين سنة من عمرها الصبغة اليمنية هوية لها ، فإذا آمنا بالقضية الجنوبية فما هي الهوية الجديدة لهذه الرابطة الجهوية سواء أكانت دولة مستقلة كما يطالب البعض أو إقليمًا فيدراليًا كما يرى البعض الآخر ؟ لم أجد جوابًا في ذلك الملتقى .
   كما أن تجربتنا نحن الحضارم مع تلك الدولة لم تكن مريحة لنا كما أعتقد ، ولم يشر الملتقى رسميًا على الأقل إلى وضع حضرموت في الإقليم الجنوبي كما يراه أو يدعو إليه ، بل تجاهل الأمر تمامًا وكأننا لم نمر بتجربة سابقة ، تتوخى منا أن نكون أكثر حذرًا في خطواتنا سواء نحو الجنوب أو نحو الشمال ، ولا نسلم لحماس اللحظة الجامعة أو لحسن النوايا ، بل يجب أن نكون أكثر جدية في وضع احتياطاتنا إذا أردنا أن نسلم بوضعنا ضمن الجنوب .
   كيف ستكون العلاقة بين حضرموت والجنوب في هكذا إقليم . هل ستكون علاقة تكامل وتنسيق أم علاقة تبعية وارتباط ؟ هل أنا كحضرمي محتاج أن أكون مع الجنوبي في كيان واحد إقليمي أو العكس هو الصحيح ؟ ، من الأكبر مساحة ؟ من الأغنى ؟ من الأرسخ هوية وثقافة ؟ إذن لماذا نرضى بالهمس بهواجسنا ولا نعلنها ولا نتكاشف مع إخواننا الجنوبيين حتى يعرف كل وضعه وحجمه ، ونعرف من هو محتاج مستقبلاً ، وليس آنيًا ، للآخر ، وإلا ما الذي يلزمني أنا الحضرمي أن أربط مصيري ومصير أرضي مع من لا يحب الصراحة والمكاشفة أو سيتهم مثيرها بشق الصف وما إلى ذلك .
   نحن الآن في حاجة إلى بعض هذا صحيح ، لكن في سبيل مصلحة مشتركة أبعد مدى ، علينا أن نرسم صورة كاملة وصريحة وجادة لمستقبل علاقاتنا التي يجب بحكم التجربة ألا تقوم على الارتباط بل على التنسيق والتكامل ، أما الذهاب بعاطفة اللحظة إلى الارتباط وإلزامي به دون أن أعرف ما لي وما علي ودون توضيح لطبيعة العلاقة التي ستتم بين طرفي الإقليم المزمع فهو انتحار سياسي محض لمن يتبناه على تلك الشاكلة .
   إن ما يجمعنا نحن الحضارم بإخواننا الجنوبيين أكثر من يحصى ، وإن العلاقة كانت قبل عام النكسة بين الجانبين شديدة الترابط والودية ، حتى إن السيد العطاس سكرتير السلطنة القعيطية المستقلة نسبيًا آنذاك قد صرح في تجرد تام بأن نفط حضرموت ليس لحضرموت وحدها بل لكل إمارات (الجنوب العربي) ، وفي لحظة حماس وحسن نية ارتبطت حضرموت اعتباطًا سياسيًا بعدن فكيف سارت الأمور ؟
   عمومًا فإن الملتقى ما هو إلا لقاء تشاوري لا غير وغير ملزم لأي أحد أو أي طرف ، مع أنه قد ختم بقسم عجيب لا أدري من اخترع فكرته وصياغته وذكرني بشيء مضى ؟ وقد بشر بمؤتمر لاحق تتم فيه بلورة الأفكار المطروحة عن المسألة الجنوبية الحضرمية ، لذا ينبغي أن يكون أكثر مكاشفة وإضاءة لما يجول بخاطر كل حضرمي حتى يصبح لقاءنا مع الجنوب ، إذا كان ولابد ، أكثر نجاعة ولاسيما في تحديد نوع هويته أو طبيعة العلاقة بين أطرافه .

حكمة الملتقى
لن نكسب القضية إلا بنفوس رضية .

الجمعة، 6 مايو 2011

العصبية لحضرموت

  لا أدري لماذا يتضايق البعض من حديثنا نحن الحضارمة عن هويتنا واستشعارنا لذاتنا والتذكير بها والانتساب إليها ، ويعد ذلك نوعًا من النرجسية أو ضربًا من العصبية الجاهلية أو يرى فيه عقدة أو خروجًا على الدين وتعاليمه ، وكأننا بدعًا من المجتمعات البشرية التي تتعصب لقومياتها وتحدب على أوطانها .
   إنني أسمع كثيرين من أنصاف المتدينين يذكرون في هذا المجال حديث الرسول عليه الصلاة والسلام : أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟ دعوها فإنها منتنة ! ، ويغفلون أن المراد بهذه المقولة هو العصبية الظالمة القائمة على الاستعلاء والاعتداء ، ألسنا نحن الحضارمة ضحية هذه العصبية من غيرنا طوال سنين خلت ، ثم تبين روايات الحديث نفسه أن العصبية للانتصار للنفس وللصاحب المظلوم محمودة ، أليست عصبيتنا لحضرموت اليوم هي من جنس العصبية المحمودة كونها تنتصر من الظلم والانسحاق الواقع علينا أرضًا وإنسانًا وهوية .
   هل يتعارض الاتحاد والإخاء مع احترام الخصوصيات ، ألم يضرب مجتمع الصحابة أنفسهم المثل الأعلى في الجمع بين تلك الخصلتين اللتين لا تصلح المجتمعات الإنسانية بغيرها ، لقد تشكل مجتمع المدينة بين المهاجرين المكيين والأنصار اليثربيين فهل طغى أحدهما على الآخر ، ألم يكن الرسول المكي صلى الله عليه وسلم يأخذ الموافقة المسبقة والإذن من الأنصار في القرارات الحاسمة ، كما حدث في شن الحرب في بدر ، وكما حدث في أمر تسليم جزء من ثمار المدينة لإحدى القبائل المناوئة في موقعة الخندق ، وما شابه ذلك ، ما هذا ؟ أليس هو القائد الأعلى للدولة الإسلامية في المدينة ، أليسوا كلهم وحدة واحدة ؟ ، انظر إلى نبينا العظيم الذي دخل مكة فاتحًا منتصرًا كيف يراعي نفسية المجتمع المكي المتأثر بالروح الوثنية فيعرض عن هدم الكعبة مع علمه بالأخطاء التي ارتكبت في كيفية بنائها إبان العهد الوثني ، بينما كانت له حينئذ السلطة والسطوة في مكة ومع ذلك لم يستغلها ويضرب عرض الحائط بطبيعة المجتمعات وفعل الزمان في تشكيلها ، وقارن بما حدث ويحدث اليوم في حضرموت التي لا يرجى لمجتمعها وخصوصياته أي اعتبار ، حدث ولا حرج إلا أن تتحدث بالاعتراض فإنك حينئذ عصبي متعصب وضد الوحدة الإسلامية عند أنصاف المتدينين أو عند من صاروا مسخًا من أبناء جلدتك .
   لقد أثبت الحضارمة أنهم ولا فخر من أكثر الشعوب انفتاحًا على الآخرين هل هذا أمر يحتاج إلى إثبات ؟ وأكثرهم اندماجًا وتأثرًا مع غيرهم فهل هذا الشأن يحتاج إلى ضرب أمثلة ، وأشدهم في الوقت نفسه احترامًا للخصوصيات ، وأذكر هنا أن سفيرنا في مصر الأديب باكثير قد لاحظ خوف المصريين على خصوصيتهم الفرعونية من غلواء الدعوة للوحدة والقومية العربية ، فسارع وهو القومي العروبي بإعلان احترامه لخصوصيتهم تلك ، وعبر عن ذلك عمليًا بكتابة جزء من أدبه عن التاريخ الفرعوني لمصر كما هو ماثل في مسرحيتيه ( إخناتون ونفرتيتي ) و( الفلاح الفصيح ) .
   بل أثبت الحضارمة بأنهم من أكثر الناس تواضعًا وهضمًا لأنفسهم ، حتى إننا قد نجد كتابًا عربًا يردون على نظرائهم من الحضارم في الدفاع عن حضرموت والإشادة بأعلامها ، وسأضرب مثالاً واضحًا ، الحكم العام الذي أطلقه المؤرخ عبد الله السقاف بأن عامة الشعراء الحضرميين " ليسوا من المجيدين غالبًا " ، من ردّ عليه قوله هذا ، إنه الدكتور المصري المعروف شوقي ضيف حين قال بالنص :
   " لعل السيد السقاف بالغ في حكمه حين جعله عامًا ومما لا ريب فيه أن بين من ترجم لهم شعراء نابهين يمكن أن يعدوا في رتبة المجيدين " .
   الحضارمة ليس لديهم هواية أو مزاج الحديث عن الذات فضلاً عن تعظيمها ، وإنما دفعوا إلى هذا السلوك دفعًا ، دفعهم إليه من لم يفهم طبيعتهم واستغل حسن نيتهم وسلامة طويتهم ، من جيرانهم أو شركائهم في الوطن الذين أسلموا لهم كل شيء ولم يلقوا منهم إلا كل عنت وتنكر واستخفاف .
فإن لم نصرخ اليوم مع الصارخين فمتى ؟

الاثنين، 2 مايو 2011

كيف يتابع المصريون ( الثورة ) في اليمن

   قال لي صديقي وهو يحادثني لقد صرت أتجنب الشراء من جاري المصري البقال وأتجاوزه إلى آخر أبعد ، لماذا ، سألته ، فقال لإلحاحه علي وهو يعرف أنني يمني بالسؤال متى سيرحل ( الريس بتاعكم ) ، حتى ظننت أنه سيرثه في سدة الحكم ، ولأن ( الريس بتاعنا ) طولها زيادة ، فقد مللت من الاثنين ، تناحة رئيسنا اليمني ولحاحة جاري المصري .
   ولقد ضحكت من أعماقي لقوله ، لا لأنه مضحك في حد ذاته ، لكن لأنه عبر عن حالة الملل والحرج التي أحسها أنا بدوري من جيراني ، بل ومن كل من يعرفك من هيئتك أو لهجتك أنك من يمن الإيمان والحكمة ، جميع فئات الشعب المصري تسأل ، البقال في دكانه ، والبواب تحت العمارة ، والقهوجي في قهوته ، والسواق في عربيته ، والطبيب في عيادته ، والأستاذ في الجامعة ، الكل يسأل : ( الريس بتاعكم مشي ولا لسه ، وامته حيمشي ) ، ( مين هيسبق التاني .. بتاع ليبيا ولا بتاعكم ) ، ( أنتو ليه لحد دلوأتي مش آدرين عليه ) ، ( إنته مع مين .. مع الثورة ولا مع النظام ) وهكذا تطاردك الأسئلة عَ الرايحة والجاية وتلزمك بأن تكون مراسلاً متجولاً ومحللاً سياسيًا في الوقت نفسه .
   ولطول الفترة وتكرار الأحداث وانشغالاتي الخاصة صرت شخصيًا زاهدًا في سماع الأخبار ، ولاسيما ما تعلق منها باليمن وليبيا التي تتراوح الأخبار عنها في محلها ، حتى إنك تستطيع أن تتنبأ بها قبل سماعها ، ولكن هيهات مع الآذان الجائعة ، والأسئلة التي تطاردك وما تشمله من إشاعات يتفنن المصريون في اصطناعها فيسألونك عن حقيقتها ، ومن ثم تعود مضطرًا لسماع الأخبار ولو موجزها حتى لا يصبح منظرك بايخًا أمام طابور المتسائلين من إخواننا المصريين المصرين على أن يستمعوا منك شخصيًا عن كل شاردة وواردة ، وكأنهم حين يرونك تقبل عليهم إنما جئت من إحدى ساحات المعتصمين ، أو انصرفت توًا من اجتماع مع الرئيس أفضى إليك فيه بخططه الزمنية للرحيل .
   ولعل هؤلاء المصريين معذورين في إلحاحهم ومتابعتهم الجادة جدًا لوضع الثورات العربية في اليمن وغيرها فهم ما زالوا يشعرون بزهو الانتصار بإسقاطهم لرئيس الرؤساء ، ويتلذذون بنشوة المطاردات والمحاكمات والسجون التي مدت قضبانها على من كانوا يرونهم إلى ما قبل أيام قليلة كاتمين على أنفاسهم ، ويقبلون على الصحف المصرية المكتظة بتفاصيل الفضائح في كل شئون أولئك أثناء توليهم للمسئولية حتى وصلت إلى أحوالهم الشخصية والأسرية ، وكأنهم يتمنون لسائر إخوانهم العرب أن يتنعموا بما هم فيه من زهو وتشفٍّ من حكامهم الذين كانوا بالأمس يرونهم يخضعون دون تردد لرئيسهم الذي تمكنوا في فترة قياسية من إسقاطه وإذلاله .