الجمعة، 17 يونيو 2011

نحن والجنوبيون`


   يبدو أن ربع قرن من الانخراط مع الجنوبيين كحكام علينا قد أورثت في كثير منا الانحناء للجنوبي وتعملقه في نفوسنا حتى صار كأنه هو المتفضل علينا وأننا نحن جزء منه حتى صار الخيار أن نصبح جزءًا من دولته وليس العكس .
   إنني أريد أن أسأل هل كانت ما يسمى بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية هي دولة الجنوبيين وحدهم وكنا نحن الحضارمة لاجئين لديهم كحال اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مثلاً ، أم كنا شركاء في الدولة سواء بسواء . لكن لماذا ما زال البعض يصور تلك الدولة وكأنها دولة أناس آخرين ( الجنوبيين ) وعلينا نحن أن نكون أو لا نكون منها ؟
   ألسنا نحن الأحرى بها وعلى الآخر هو الذي أن يختار البقاء معنا أو يستقل بنفسه وأرضه عنا ، لمن المساحة الأكبر في تلك الدولة ، لمن ثرواتها البرية والبحرية ، أين موضع الثقل الثقافي والتاريخي ، لقد غفلنا نحن الحضارمة عن هذا كله في خريف 67 وسلمنا أنفسنا لأناس من غير هوية ( الجنوبيين ) في تلك الدولة لنصبح جزءًا منهم بينما الحقيقة أنهم هم جزء منا ، أو هكذا ينبغي ، لا العكس ، وها نحن اليوم يكرر بعضنا هذا الأمر العجيب .
   إن كثيرًا من المؤرخين يعترفون بقوة الوجود الحضرمي في عدن ونواحيها ( الجنوب ) ، ولن أتكلم هنا عن الأقوال التي تشير إلى امتداد مفهوم حضرموت لتشمل معظم الساحل الجنوبي الغربي ، لكن سأتكلم عن فاعلية العنصر البشري ، فمعظم الدراسات التاريخية – ومنها الأكاديمية – تشير إلى فعالية العنصر الحضرمي في عدن ولاسيما في الحياة العلمية والثقافية ، فمعظم العلماء الذين برزوا هناك هم من الحضارمة بشهادة المؤرخ المستشرق سارجنت ، وتاريخ عدن مملوء بأسماء من مثل ( بامخرمة باشكيل باحميش باوزير العيدروس ) وكثير غيرها ، وعندما تحدث محمد علي لقمان في صحيفته فتاة الجزيرة عن الحياة الأدبية في عدن في الأربعينيات اعترف أن الفضل يعود لتنشيطها هناك لأربعة من العرب هم عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف وعلي أحمد باكثير وصالح الحامد وعبد الله بن يحيى ، وهؤلاء كلهم لا تخفى هويتهم .
   لقد كان بعضنا يثرثر ويقول لنتحد مع شركائنا الجنوبيين حتى نتحرر من الشماليين ثم من السهل أن نتفاهم مع الجنوبيين لنيل حقوقنا الخاصة بنا كحضارم ، فنحن بحاجة لما يتصف به الجنوبي ولاسيما جماعة الضالع وردفان ويافع من قوة الشكيمة لمواجهة القبلي الشمالي ، وكنت أضحك في نفسي من هذا القول ، لأنني أعرف جيدًا أن الصلة بيننا وبين القوم ليست بهذه السطحية ، فضلاً عن ما فيها من استخفاف وازدراء بقوتنا نحن الحضارم التي نسيناها بنسيان بطولاتنا أسلافنا عبر التاريخ ، بل إلى حاضرنا هذا ، وكل ما في الأمر أننا أشربنا احتقار أنفسنا وإمكانياتنا واستعظام ما عند الآخر ( سواء في الشمال أو في الجنوب ) .
   أنا في رأيي أن ما يجمعنا نحن الحضارم مع الجنوبيين فضلاً عن ( الغبن المشترك ) ، الشيء الكثير والكثير جدًا ، لكن لابد من تصحيح البوصلة بحيث نصبح نحن قطبها ، وعلى الآخر أن يختار أن يسير في ركابنا ويتلبس هو بهويتنا مع احترام ما قد يكون له من بعض الخصوصية ، أو فليبحث له عن هوية وليعد قراءة تاريخه .

السبت، 14 مايو 2011

على هامش ملتقى القاهرة

   لم أكن أحد المشاركين في ملتقى القاهرة ولا حتى من المدعوين إليه ، إنما جئته من باب الفضول لا غير ، استجابة لإلحاح بعض زملائي للحضور ، فكان أن حضرت منه الجلسة الأخيرة المنعقدة الأربعاء الماضي في فندق ( بيراميزا ) أحد الفنادق السياحية الفخمة وسط القاهرة .
   عقد الملتقى باسم القضية الجنوبية ومناقشة رؤية لها ، وكنت محتارًا في نفسي بأي صفة أحضره هل بصفتي يمنيًا كما تقول هوية الجواز الذي أحمله في جيبي ، أو بصفتي حضرميًا كما يقول قلبي الذي بين جنبي ، وبين هذا وهذا فإني لا أستشعر لا رسميًا ولا نفسيًا أنني جنوبي ، لأن مصطلح الجنوب الذي تنسب إليه هذه القضية ما زال ، بصراحة ، غامض المدلول والهوية عندي .
   لكن لو سلمنا واتفقنا أننا كلنا أننا جنوبيين فما الذي يجمعنا الآن غير الألم الآني من الظلم الشمالي ، لكن هذا الظلم هل هو مرتبط بالشمال كجهة أو بالنظام القائم المتوقع سقوطه ، فإذا ما سقط هل سيبقى شيء يجمعنا ، إن الملتقى كان مشددًا على أن القضية الجنوبية لا تسقط بسقوط النظام ؟
   ولكن ماذا بعد ذلك ؟ سيقال أنه كانت تجمعنا دولة سابقة ، لكن هذه الدولة هي الأخرى أصبحت من غير هوية ظاهرة ، فهي قد اتخذت منذ ظهورها وخلال عشرين سنة من عمرها الصبغة اليمنية هوية لها ، فإذا آمنا بالقضية الجنوبية فما هي الهوية الجديدة لهذه الرابطة الجهوية سواء أكانت دولة مستقلة كما يطالب البعض أو إقليمًا فيدراليًا كما يرى البعض الآخر ؟ لم أجد جوابًا في ذلك الملتقى .
   كما أن تجربتنا نحن الحضارم مع تلك الدولة لم تكن مريحة لنا كما أعتقد ، ولم يشر الملتقى رسميًا على الأقل إلى وضع حضرموت في الإقليم الجنوبي كما يراه أو يدعو إليه ، بل تجاهل الأمر تمامًا وكأننا لم نمر بتجربة سابقة ، تتوخى منا أن نكون أكثر حذرًا في خطواتنا سواء نحو الجنوب أو نحو الشمال ، ولا نسلم لحماس اللحظة الجامعة أو لحسن النوايا ، بل يجب أن نكون أكثر جدية في وضع احتياطاتنا إذا أردنا أن نسلم بوضعنا ضمن الجنوب .
   كيف ستكون العلاقة بين حضرموت والجنوب في هكذا إقليم . هل ستكون علاقة تكامل وتنسيق أم علاقة تبعية وارتباط ؟ هل أنا كحضرمي محتاج أن أكون مع الجنوبي في كيان واحد إقليمي أو العكس هو الصحيح ؟ ، من الأكبر مساحة ؟ من الأغنى ؟ من الأرسخ هوية وثقافة ؟ إذن لماذا نرضى بالهمس بهواجسنا ولا نعلنها ولا نتكاشف مع إخواننا الجنوبيين حتى يعرف كل وضعه وحجمه ، ونعرف من هو محتاج مستقبلاً ، وليس آنيًا ، للآخر ، وإلا ما الذي يلزمني أنا الحضرمي أن أربط مصيري ومصير أرضي مع من لا يحب الصراحة والمكاشفة أو سيتهم مثيرها بشق الصف وما إلى ذلك .
   نحن الآن في حاجة إلى بعض هذا صحيح ، لكن في سبيل مصلحة مشتركة أبعد مدى ، علينا أن نرسم صورة كاملة وصريحة وجادة لمستقبل علاقاتنا التي يجب بحكم التجربة ألا تقوم على الارتباط بل على التنسيق والتكامل ، أما الذهاب بعاطفة اللحظة إلى الارتباط وإلزامي به دون أن أعرف ما لي وما علي ودون توضيح لطبيعة العلاقة التي ستتم بين طرفي الإقليم المزمع فهو انتحار سياسي محض لمن يتبناه على تلك الشاكلة .
   إن ما يجمعنا نحن الحضارم بإخواننا الجنوبيين أكثر من يحصى ، وإن العلاقة كانت قبل عام النكسة بين الجانبين شديدة الترابط والودية ، حتى إن السيد العطاس سكرتير السلطنة القعيطية المستقلة نسبيًا آنذاك قد صرح في تجرد تام بأن نفط حضرموت ليس لحضرموت وحدها بل لكل إمارات (الجنوب العربي) ، وفي لحظة حماس وحسن نية ارتبطت حضرموت اعتباطًا سياسيًا بعدن فكيف سارت الأمور ؟
   عمومًا فإن الملتقى ما هو إلا لقاء تشاوري لا غير وغير ملزم لأي أحد أو أي طرف ، مع أنه قد ختم بقسم عجيب لا أدري من اخترع فكرته وصياغته وذكرني بشيء مضى ؟ وقد بشر بمؤتمر لاحق تتم فيه بلورة الأفكار المطروحة عن المسألة الجنوبية الحضرمية ، لذا ينبغي أن يكون أكثر مكاشفة وإضاءة لما يجول بخاطر كل حضرمي حتى يصبح لقاءنا مع الجنوب ، إذا كان ولابد ، أكثر نجاعة ولاسيما في تحديد نوع هويته أو طبيعة العلاقة بين أطرافه .

حكمة الملتقى
لن نكسب القضية إلا بنفوس رضية .

الجمعة، 6 مايو 2011

العصبية لحضرموت

  لا أدري لماذا يتضايق البعض من حديثنا نحن الحضارمة عن هويتنا واستشعارنا لذاتنا والتذكير بها والانتساب إليها ، ويعد ذلك نوعًا من النرجسية أو ضربًا من العصبية الجاهلية أو يرى فيه عقدة أو خروجًا على الدين وتعاليمه ، وكأننا بدعًا من المجتمعات البشرية التي تتعصب لقومياتها وتحدب على أوطانها .
   إنني أسمع كثيرين من أنصاف المتدينين يذكرون في هذا المجال حديث الرسول عليه الصلاة والسلام : أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟ دعوها فإنها منتنة ! ، ويغفلون أن المراد بهذه المقولة هو العصبية الظالمة القائمة على الاستعلاء والاعتداء ، ألسنا نحن الحضارمة ضحية هذه العصبية من غيرنا طوال سنين خلت ، ثم تبين روايات الحديث نفسه أن العصبية للانتصار للنفس وللصاحب المظلوم محمودة ، أليست عصبيتنا لحضرموت اليوم هي من جنس العصبية المحمودة كونها تنتصر من الظلم والانسحاق الواقع علينا أرضًا وإنسانًا وهوية .
   هل يتعارض الاتحاد والإخاء مع احترام الخصوصيات ، ألم يضرب مجتمع الصحابة أنفسهم المثل الأعلى في الجمع بين تلك الخصلتين اللتين لا تصلح المجتمعات الإنسانية بغيرها ، لقد تشكل مجتمع المدينة بين المهاجرين المكيين والأنصار اليثربيين فهل طغى أحدهما على الآخر ، ألم يكن الرسول المكي صلى الله عليه وسلم يأخذ الموافقة المسبقة والإذن من الأنصار في القرارات الحاسمة ، كما حدث في شن الحرب في بدر ، وكما حدث في أمر تسليم جزء من ثمار المدينة لإحدى القبائل المناوئة في موقعة الخندق ، وما شابه ذلك ، ما هذا ؟ أليس هو القائد الأعلى للدولة الإسلامية في المدينة ، أليسوا كلهم وحدة واحدة ؟ ، انظر إلى نبينا العظيم الذي دخل مكة فاتحًا منتصرًا كيف يراعي نفسية المجتمع المكي المتأثر بالروح الوثنية فيعرض عن هدم الكعبة مع علمه بالأخطاء التي ارتكبت في كيفية بنائها إبان العهد الوثني ، بينما كانت له حينئذ السلطة والسطوة في مكة ومع ذلك لم يستغلها ويضرب عرض الحائط بطبيعة المجتمعات وفعل الزمان في تشكيلها ، وقارن بما حدث ويحدث اليوم في حضرموت التي لا يرجى لمجتمعها وخصوصياته أي اعتبار ، حدث ولا حرج إلا أن تتحدث بالاعتراض فإنك حينئذ عصبي متعصب وضد الوحدة الإسلامية عند أنصاف المتدينين أو عند من صاروا مسخًا من أبناء جلدتك .
   لقد أثبت الحضارمة أنهم ولا فخر من أكثر الشعوب انفتاحًا على الآخرين هل هذا أمر يحتاج إلى إثبات ؟ وأكثرهم اندماجًا وتأثرًا مع غيرهم فهل هذا الشأن يحتاج إلى ضرب أمثلة ، وأشدهم في الوقت نفسه احترامًا للخصوصيات ، وأذكر هنا أن سفيرنا في مصر الأديب باكثير قد لاحظ خوف المصريين على خصوصيتهم الفرعونية من غلواء الدعوة للوحدة والقومية العربية ، فسارع وهو القومي العروبي بإعلان احترامه لخصوصيتهم تلك ، وعبر عن ذلك عمليًا بكتابة جزء من أدبه عن التاريخ الفرعوني لمصر كما هو ماثل في مسرحيتيه ( إخناتون ونفرتيتي ) و( الفلاح الفصيح ) .
   بل أثبت الحضارمة بأنهم من أكثر الناس تواضعًا وهضمًا لأنفسهم ، حتى إننا قد نجد كتابًا عربًا يردون على نظرائهم من الحضارم في الدفاع عن حضرموت والإشادة بأعلامها ، وسأضرب مثالاً واضحًا ، الحكم العام الذي أطلقه المؤرخ عبد الله السقاف بأن عامة الشعراء الحضرميين " ليسوا من المجيدين غالبًا " ، من ردّ عليه قوله هذا ، إنه الدكتور المصري المعروف شوقي ضيف حين قال بالنص :
   " لعل السيد السقاف بالغ في حكمه حين جعله عامًا ومما لا ريب فيه أن بين من ترجم لهم شعراء نابهين يمكن أن يعدوا في رتبة المجيدين " .
   الحضارمة ليس لديهم هواية أو مزاج الحديث عن الذات فضلاً عن تعظيمها ، وإنما دفعوا إلى هذا السلوك دفعًا ، دفعهم إليه من لم يفهم طبيعتهم واستغل حسن نيتهم وسلامة طويتهم ، من جيرانهم أو شركائهم في الوطن الذين أسلموا لهم كل شيء ولم يلقوا منهم إلا كل عنت وتنكر واستخفاف .
فإن لم نصرخ اليوم مع الصارخين فمتى ؟

الاثنين، 2 مايو 2011

كيف يتابع المصريون ( الثورة ) في اليمن

   قال لي صديقي وهو يحادثني لقد صرت أتجنب الشراء من جاري المصري البقال وأتجاوزه إلى آخر أبعد ، لماذا ، سألته ، فقال لإلحاحه علي وهو يعرف أنني يمني بالسؤال متى سيرحل ( الريس بتاعكم ) ، حتى ظننت أنه سيرثه في سدة الحكم ، ولأن ( الريس بتاعنا ) طولها زيادة ، فقد مللت من الاثنين ، تناحة رئيسنا اليمني ولحاحة جاري المصري .
   ولقد ضحكت من أعماقي لقوله ، لا لأنه مضحك في حد ذاته ، لكن لأنه عبر عن حالة الملل والحرج التي أحسها أنا بدوري من جيراني ، بل ومن كل من يعرفك من هيئتك أو لهجتك أنك من يمن الإيمان والحكمة ، جميع فئات الشعب المصري تسأل ، البقال في دكانه ، والبواب تحت العمارة ، والقهوجي في قهوته ، والسواق في عربيته ، والطبيب في عيادته ، والأستاذ في الجامعة ، الكل يسأل : ( الريس بتاعكم مشي ولا لسه ، وامته حيمشي ) ، ( مين هيسبق التاني .. بتاع ليبيا ولا بتاعكم ) ، ( أنتو ليه لحد دلوأتي مش آدرين عليه ) ، ( إنته مع مين .. مع الثورة ولا مع النظام ) وهكذا تطاردك الأسئلة عَ الرايحة والجاية وتلزمك بأن تكون مراسلاً متجولاً ومحللاً سياسيًا في الوقت نفسه .
   ولطول الفترة وتكرار الأحداث وانشغالاتي الخاصة صرت شخصيًا زاهدًا في سماع الأخبار ، ولاسيما ما تعلق منها باليمن وليبيا التي تتراوح الأخبار عنها في محلها ، حتى إنك تستطيع أن تتنبأ بها قبل سماعها ، ولكن هيهات مع الآذان الجائعة ، والأسئلة التي تطاردك وما تشمله من إشاعات يتفنن المصريون في اصطناعها فيسألونك عن حقيقتها ، ومن ثم تعود مضطرًا لسماع الأخبار ولو موجزها حتى لا يصبح منظرك بايخًا أمام طابور المتسائلين من إخواننا المصريين المصرين على أن يستمعوا منك شخصيًا عن كل شاردة وواردة ، وكأنهم حين يرونك تقبل عليهم إنما جئت من إحدى ساحات المعتصمين ، أو انصرفت توًا من اجتماع مع الرئيس أفضى إليك فيه بخططه الزمنية للرحيل .
   ولعل هؤلاء المصريين معذورين في إلحاحهم ومتابعتهم الجادة جدًا لوضع الثورات العربية في اليمن وغيرها فهم ما زالوا يشعرون بزهو الانتصار بإسقاطهم لرئيس الرؤساء ، ويتلذذون بنشوة المطاردات والمحاكمات والسجون التي مدت قضبانها على من كانوا يرونهم إلى ما قبل أيام قليلة كاتمين على أنفاسهم ، ويقبلون على الصحف المصرية المكتظة بتفاصيل الفضائح في كل شئون أولئك أثناء توليهم للمسئولية حتى وصلت إلى أحوالهم الشخصية والأسرية ، وكأنهم يتمنون لسائر إخوانهم العرب أن يتنعموا بما هم فيه من زهو وتشفٍّ من حكامهم الذين كانوا بالأمس يرونهم يخضعون دون تردد لرئيسهم الذي تمكنوا في فترة قياسية من إسقاطه وإذلاله .

الثلاثاء، 26 أبريل 2011

رؤية عن الوطن وقضاياه العادلة .. تغيير النظام وتصحيح الهوية

1
   لقد سقط النظام الرفاقي في الجنوب بعد ثورة شعبية بدأت بحركة طلابية وشبابية سنة 1989 مواكبة لسقوط الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية التي نال جبابرتها جزاءهم الرادع ، وبينما كان الشعب في الجنوب ينقض على نظام جلاديه إذا بالوحدة المستعجلة تنتشله من بين براثنه ، ويتم رفع شعار ( الوحدة تجب ما قبلها ) ، لإنقاذه من المحاسبة على إهدار الدماء والأموال في ربع قرن من الحكم الغاشم .
   وليس صحيحًا أن النظام الرفاقي إنما سقط في صيف 94 ، وليس صحيحًا أن المنتصر كان هو جيش حكومة صنعاء ومليشياتها الإصلاحية ، بل المنتصر هو الإرادة الشعبية في الجنوب التي لم تكن قد شفت غليلها بعد من جلاديها ، ولولا تلك الإرادة ما كان لتلك المليشيات أن تدخل شبرًا واحدًا من أراضي الجنوب ، هذه حقيقة مهمة كثيرون من يغفل عنها ويجب أن يضعها الجميع من جنوبيين وشماليين نصب أعينهم ، حتى يعلم كل منا حجمه الحقيقي فيما حدث .
   إن عدم وضوح هذه الحقيقة هو الذي جعل الطرف الذي ظن نفسه منتصرًا يستعلي على الجنوب والجنوبيين ، وقد برز في تلك الفترة الإصلاحيون الذين صبغوا على الحدث صفة مقدسة وطفقوا يبشروننا بجنة عرضها الشمال والجنوب إذا ما تم دحر المرتدين والانفصاليين لصالح فرسان الشرعية الدستورية ، ثم اتضح بعد أن وضعت الحرب أوزارها أن تلك الجنة لم تكن سوى الجنوب وحده الذي تقاسم الجميع كعكعته ، وصرنا نحن في نظرهم مجرد سبايا يجب أن تقنع بالفتات مما يمن به ساداتنا الجدد وتجديد الوفاء لهم والطاعة على الدوام .
   وقد تنبه الجنوبيون مبكرًا لتلك الخديعة من قبل نظام صنعاء وجناحه الديني والقبلي ، وكانت حضرموت سباقة في الرفض والتأبي ، منذ صيف سنة 1996 فيما سمي مظاهرات ( الضوراني ) ، ومن حينها والجنوب يغلي ، ويحاول النظام تهدأته أو تجاهل قضيته مع أذنابه من بقايا النظام الرفاقي وبعض المغترين بجناحه الديني حتى وصل الأمر ذروته في صيف 2007 ، حينما بلغ الغليان شعبي أقصى مداه ، إلا أنه للأسف حرم من القيادة التي تقوده إلى الوجهة السليمة للانتصار لمطالبه ، ومن ثم وقع في دوامة الموتورين من الرفاقيين ومن لحق بهم ، حتى أصابه الشلل وفقد ما كان له من حيوية وتعاطف شعبي عام .
2
   وتنتقل الثورة من الجنوب إلى الشمال ، وينقم الشماليون فجأة على نظامهم بتأثير ما يعتمل في المحيط العربي ، ويسارع رأس النظام بالإعلان عن تغيير سلوكه ويقدم المبادرات تلو المبادرات بكل سخاء ، وتضيع كلها في ضجيج الثورة المنادية برحيله ثم المطالبة بمحاكمته ، ولم نر هنا من يرفع شعار ( الثورة تجب ما قبلها ) ، بل تعالت الأصوات الانتقامية للدماء التي سيلت في بعض الساحات ، ولم تكن الدماء التي تسيل إبان الحراك الشعبي في الجنوب تحرك ساكنًا ، بل قد نسيت سيول من الدماء أهدرت من قبل تحت شعار ( الوحدة تجب ما قبلها ) ، وكأن هناك دماء غير الدماء فهناك دماء ساكني الأصل ودماء ساكني الفرع وهما لا يستويان مثلاً .
   ويبدو هنا الحلف الإصلاكي آمنًا مطمئنًا من مطاردة المحاكمات حيث يرى الرئيس ونظامه يبحثون عن مخرج قانوني يؤمنهم من المحاكمات ، وينسى أولئك أن المحاكمات المزمعة قد تطالهم إن لم يعملوا هم أيضًا على تأمين أنفسهم ، أو هكذا أظن ، أليسوا هم جزءًا من هذا النظام الذي تتم الدعوة إلى إسقاطه ومحاكمته ، أم أن الثورة الجديدة ستكيل بمكيالين ، لقد طالت المحاكمات في مصر جميع من كان في النظام سابقًا ولاحقًا من المسئولين أو من كان منتفعًا من سلطتهم بشكل أو بآخر ، فلماذا يبدو هؤلاء مطمئنين ؟
   إن التغيير ينبغي أن يأتي لا لاستهداف شخصيات بعينها أو لنصب المشانق وإقامة محاكم التفتيش ، بل لأنه ضرورة يقتضيها سير الحياة وتعاقب الأجيال ، ولنمو الوعي لدى طبقة الشباب المتأثر بعمق بما يدور حوله في العالم العربي وغير العربي من تطورات وتحولات ولاسيما في وجود الإنترنت والفضائيات ، فضلاً عن تنامي روح التدين في أوساطهم وهي التي ترفض الفساد بكافة مظاهره والظلم بجميع أشكاله سواء في الجنوب أو في الشمال ، تلك هي رؤية ثورة التغيير ، وأي روح انتقامية أو شخصانية ستكون دخيلة عليها وقد تؤدي إلى إفشالها .
3
   حلحلة الهوية الوطنية بحيث تسع كل المكونات في الساحة الوطنية وبكافة أطيافها يجب أن يكون مطلبًا ظاهرًا وبارزًا من مطالب الثورة القائمة ، وهذه النقطة هي التي سترضينا نحن الحضارم وكذلك الجنوبيين والحوثيين ، وإذا كان الحوثيون قد امتلكوا السلاح الناري ، والجنوبيون قد حصلوا على السلاح الإعلامي وعلى ساحات تمثلهم ، فيبقى الحضارمة هم الحلقة الأضعف .
   ومع ذلك فإننا نستمد قوة مطالبنا إلى حال أفضل بعمق انتمائنا وعطائنا الحضاري وبسعة أرضنا وغناها وتنوعها ، وبوفرة جالياتنا في العالم العربي والإسلامي ، وإذا كنا نشكو غفلة بعض كبار ساستنا المخضرمين عن الاعتراف بمطالبنا وطموحاتنا الخاصة والمشروعة والجهر بها ، فإننا لا نعدم كثيرًا من الرجال النابهين الذين بدأوا يطرحون تلك الطموحات بقوة سواء من بعض السياسيين الناشئين أو بعض رجال العلم والثقافة والمال والقبيلة ، وهؤلاء يجب أن يؤازروا من قبل الشباب في الساحات .
   وليس صحيحًا ما يروجه أو يظنه البعض من أن رفع مطالبنا وطموحاتنا يؤثر سلبًا على القضايا الأخرى كالتغيير أو الحراك بل العكس هو الصحيح ، فهذا الشأن ينبغي أن يكون من جملة مطالب الثورة تحت بند تصحيح الهوية التي ينبغي أن تكون أولى متطلبات ثورة التغيير حتى تكون ثورة عادلة تجسد نبض كل الشارع الوطني غربًا وشرقًا ، وبدون ذلك تكون ثورة منقوصة وحراكًا إلى المجهول .
دعاء
اللهم غير أحوالنا إلى حال بديل ، واهد ساحاتنا إلى سواء السبيل .

الأحد، 24 أبريل 2011

على هامش فعالية مركز ابن عبيد الله : كيف نحافظ على هويتنا ونرسخها على ضوء التجربة المصرية

   أثبت الأستاذ محمد حسن بن عبيد الله السقاف كيف يمكن للمثقف أن يكون حاضرًا في هموم أمته ويبذل لها ، من غير ملال وبكل تجرد ، النفيس من وقته وجهده وفكره ، فعبر إدارته لمركز ابن عبيد الله الأهلي نجده ومنذ فترة مبكرة يجتهد في إثارة قضايا حضرموت الحيوية في مختلف مجالاتها ، ليضعها في دائرة الاهتمام ويسلط عليها أضواء البحث والتحقيق والنقاش ، ويستقطب لذلك كبار الباحثين وناشئيهم على السواء ، تكريمًا للأولين وللاستفادة من خبراتهم ورسوخهم العلمي ، وتشجيعًا للآخرين والاستفادة من حماسهم ومثابرتهم العلمية ، وكل ذلك بجهود نابعة من الذات غير مرتبطة بأي جهة كانت بأي نوع من أنواع الارتباط .
   ومن وحي فعالية المركز الأخيرة التي التقت فيها سيئون عاصمة الوادي وأحقافه بالقاهرة عاصمة النيل وضفافه ، والتي كرست لمناقشة قضية الهوية الحضرمية وكيفية الحفاظ عليها وترسيخها ، فإننا لا نرى غضاضة في الاستفادة من التجربة المصرية في تأصيل الهوية الوطنية لاسيما أن المصريين من أكثر الشعوب العربية اعتزازًا بهويتهم القومية ووحدتهم الوطنية .
   والحقيقة الواضحة هنا أن المصريين لم يدخروا جهدًا أو حيلة لإبراز هويتهم وتجذيرها في نفوس الأجيال المتعاقبة ، سواء على المستوى الثقافي أو الفني أو الشعبي ، وهذه الروح المعتزة بالذات موجودة فينا نحن الحضارم كفطرة إنسانية ، ولا تحتاج إلا إلى تأصيلها وتطويرها لاسيما بعد سنوات طويلة من الاغتراب النفسي الذي فرض على علينا من خارجنا ، ولم تتقبله أصالتنا واستعصت عليه طبيعتنا .
   فمن ذلك المحافظة على الموروث الشعبي العام وزيارة سريعة منك لخان الخليلي بمصر وما حوله من حواري تنقلك توًا إلى زمان غير الزمان لما تراه من معمار للبيوت والمساجد وتصميم لواجهات المحلات ولما تشاهده من معروضات أثرية توقن أن أحدًا لم يعد يحتاج لاستعمالها ، ومع ذلك تعرض لا في المتاحف بل في الأسواق العامة إما ليشتريها هواة جمع الآثار القديمة أو للعرض والزينة اتساقًا مع المشهد العام الذي تجتمع فيه كل عصور مصر الفرعونية والإسلامية .
   وهناك الفرق الفنية التراثية التي تمثل التراث الفني المصري بمختلف أشكاله ، الديني والنوبي والسيناوي وما شابه ذلك ، ولكل فرقة قصر من القصور التراثية التي تعرض فيه بضاعتها الفنية في أيام مخصوصة من الشهر ، وتستقبل روادها من السائحين المصريين أو العرب أو الأجانب لتمتعهم بعروضها التراثية ، وبأسعار رمزية أو بالمجان اكتفاء بدعم الدولة لها .
   وهناك أسماء الشوارع في كل حي من أحياء القاهرة والمدن الأخرى فلا ترى شارعًا ولا زقاقًا لا يحمل اسمًا لأحد أعلام مصر سواء كان مشهورًا أو مغمورًا ، ويستوي في ذلك كل من أفاد مصر بفائدة وفي أي مجال كان ، فترى منهم الشهيد والمناضل والعالم والأديب وأستاذ الجامعة ونوابغ المهن الأخرى من سياسيين وأطباء ومحامين ومهندسين وصحافيين وممثلين وغيرهم ، فكل من أفاد بلاده يذكر بوضع اسمه على شارع أو زقاق بحسب حجم ودور العلم الفقيد . وهناك طبعًا أسماء المدارس والهيئات الثقافية الأخرى ، وتشمل تلك التسميات أيضًا الرموز التاريخية للأعلام والمواضع التي شهدت أحداث ذات بال في التاريخ المصري .
   وهناك المتاحف المتعددة والمتنوعة للتاريخ المصري العام أو المتخصصة في مجالات بعينها كالمتحف العسكري أو الزراعي أو البحري ، أو تقام لبعض الشخصيات الكبيرة ذات التأثير في التاريخ المصري السياسي أو الاجتماعي أو الأدبي ، وقد تقام في بيوتهم بعد شرائها من قبل الدولة أو في مواضع أخرى تابعة لبعض الهيئات الثقافية ، ولا ننسى هنا إقامة القرى التراثية السياحية الدائمة .
   هذا فضلاً عن التنويه بتاريخ مصر وأعلامها في مقررات التعليم الرسمي ومناهج الجامعات ، ولن نستطيع أن نحصي ذكر عشرات الندوات التي تقام يوميًا في المراكز الثقافية والنوادي الشبابية إضافة للمراكز التخصصية لبعض القضايا الحيوية لمناقشة زواياها وتطوراتها ، أو لكبار أعلام مصر للتعريف بعطائهم وجهودهم في المجالات التي برزوا فيها فكرًا وإبداعًا .
   ولا شك أن حضرموت لم تأخذ حظها من تلك الوسائل إلا أقل القليل مع أنها تحفل بتراث هائل في كل الأطياف سواء ما كان منها يعود إلى تاريخها العريق وتاريخ أعلامها وعطاءات مهاجريها ، أو في الجوانب الاجتماعية من تراث ديني وبحري وشعبي ، وكل ذلك لا نراه غالبًا إلا مسطورًا في الكتب مختبئ بين أوراقها التي لم ولن تسلم من عاديات الزمن ، حتى ما هو موجود من وسائل عرض قليلة فهو معرض للإهمال والتآكل ، وبعض منها تهمل أو يهون من قيمتها وفاعليتها بقصد ودون قصد ، فدعوة أوجهها عبر مركز ابن عبيد الله للاستفادة من الخبرات العملية المصرية للحفاظ على الذات وإنقاذ الهوية قبل أن نهوي على رءوسنا في مجاهل النسيان ، وهذا ما لن يحدث أبدًا إن شاء الله تعالى مع وجود أشخاص محبين وغيورين يرتجي منهم موطنهم كل خير له ولأبنائه حيثما كانوا .
مداخلة :
   عصام شرف رئيس حكومة ما بعد الثورة المصرية وفي ذكرى تحرير منطقة سيناء أعلن اعتذاره وعبر عن أسفه لأبناء سيناء على ما نالهم من إهمال وتهميش أيام حقبة مبارك غير المباركة ، فهل سنشهد رئيس حكومتنا القادم أيًا كان وهو يعتذر لأبناء حضرموت عن ما نالهم من إهمال ولاسيما في العهد الجنوبي ومن تهميش ولاسيما في العهد الشمالي ، هل نتوقع ذلك ؟

الثلاثاء، 19 أبريل 2011

أصالة المغترب الحضرمي

   كثيرون هم أدباؤنا الذين نشأوا على أرض حضرموت وبرزوا فيها ثم تلقفتهم أيدي الاغتراب ليواصلوا نبوغهم وتألقهم في مواطن اغترابهم ، ومن هؤلاء قديمًا امرؤ القيس الكندي ، ومنهم في عصرنا هذا علي أحمد باكثير .
   إن هناك أمورًا جمة مشتركة تجمع بين هذين الأديبين الحضرميين الكبيرين ، فمنها انتماؤهما إلى قبيلة واحدة هي قبيلة كندة التي يصفها المؤرخون بأنها أول قبيلة عربية حاولت جمع العرب في كيان سياسي واحد .
   وكلاهما عاش ربيع حياته في وادي حضرموت ، ثم اضطره فقد عزيز للهجرة ، فامرؤ القيس فقد أباه فارتحل لبناء مجده السياسي ، وباكثير فقد زوجته فارتحل لبناء مجده الأدبي ، ومع ذلك كان كلاهما مشدودة روحه إلى وطنه الأول وانعكس ذلك في أعمالهما الأدبية .
   كما جمع بينهما الإبداع الشعري والابتكار في فنونه بشهادة نقاد الأدب ، فعن الأول ذكروا أمورًا ابتكرها منها أنه أول من وقف واستوقف على الأطلال وبكى واستبكى ، وسبق إلى صور شعرية بديعة ولاسيما في وصف رحلاته المبكرة للصيد على ظهر حصانه ، وفي هذا الإطار يقول المؤرخ الأديب سعيد عوض باوزير :
   " إن شعر امرئ القيس الكندي أصدق وأوضح صورة للمستوى الرفيع الذي وصل إليه الأدب في حضرموت " .
   كما شهد نقاد الأدب لباكثير بإبداعات سبق غيره إليها منها أنه أول من ابتكر النظام الوزني الجديد للشعر العربي بما سمي بشعر التفعيلة أو الشعر الحر ، ومنها أنه أول من رسخ نثرية فن المسرحية وكتب المسرحية التسجيلية ، وغير ذلك مما يعلمه المهتمون بأدب باكثير والأدب العربي الحديث .
   وفوق ذلك نراهما مع اغترابهما الطويل عن موطنهما الحضرمي لم يغفلا عن روحهما الحضرمية التي تجلت في أعمالهما الأدبية التي تشهد لمن يقرأها بأصالة انتمائهما الوطني لأرضهما وقومهما ، ومن ذلك استعمالهما مفردات وتراكيب فصيحة من اللهجة الحضرمية .
   فإذا تأملت مثلاً معلقة امرئ القيس فلن تشك في حضرمية قائلها ، إذ ستلفت نظرك وسيقرع سمعك كلمات مثل ( غدوة ، مساويك ، السليط [ الزيت ] ، الكثيب ، الحنظل ، المداك ، ناقف ، بعر ، بعير ، الوليد [ بمعنى الصبي أو الغلام ] ، عروس ، حناء ، درع [ لباس للمرأة المسنة ] ، منارة ، فتيت ، حطه السيل ، يكب ، خيط موصل ) وغيرها .
   إضافة إلى بعض الاستعمالات اللغوية المعروفة في اللهجة الحضرمية كاستعمال مفردة ( يوم ) بمعنى حينما كقوله :
           ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة     فقالت لك الويلات إنك مرجل
واستعمال الفعل ( تقول ) بقصد التشبيه والوصف كما في بعض قصائده خارج المعلقة كقوله في وصف حصانه :
                 كالسِّيْد ما استقبلته وإذا     ولى (تقول) ململم ضرب
   والأمر نفسه نلاحظه عند باكثير في إيثار المفردة أو التركيب الأقرب للهجته الحضرمية في بعض كتاباته ، نضرب مثالاً بمقاطع من مسرحيته ( دار لقمان ) :
   ( يُسمع دق شديد على السدة الخارجية )
   وهو تعبير قريب من لهجته الحضرمية وقد اختار لفظتي ( دق ) و( السدة ) على لفظتي ( طرق وبوابة أو عتبة ) مثلاً .
   ( تعود ناعسة ببقجة فتعطيها لأحمد فيفتحها أحمد ليرى ما بها ثم يعيد عصبها )
   نجد فيها روح اللهجة الحضرمية ولاسيما في استعماله لمفردة ( بقجة ) التي ينطقها الحضارمة ( بقشة ) – وأصل الكلمة فارسي بمعنى صرة الثياب - ، ومثله الفعل ( عصب ) المتداول في لهجتنا ويترفع عنه اليوم كتابنا مفضلين بدلاً عنه الفعل ( ربط ) المعتاد في الكتابات المتأخرة .
   ومثال آخر في قول السلطانة ( شجر الدر ) وهي توبخ مساعديها على تلاومهم وتجادلهم أمامها : ( تتناقرون أمامي كالديكة ) ، وهو تعبير معروف وسائد في تلك الحالة لدى الحضارمة .
   ولعل باكثير كان مدركًا لحالات التشابه المتعددة بينه وبين جده امرئ القيس لذا نراه يقول من قصيدة له :
      إذا لـم أقلـها فذة عبقـرية          فلست لميراث امرئ القيس حاويا
   وكل ما ذكر يؤكد قوة الرابطة الحضرمية بين الإنسان الحضرمي وقومه وأرضه ومحافظته على صدق انتمائه إليها ووفائه لها على مدى التاريخ .

أبيات لشاعر حضرمي مغترب :

متى يا حضرموت أراك يوماً        وقد أصبحت للآســـــاد غابا
متى يا حضرموت أراك يوماً        بنيت على مصـــانعك القبابا
متى يا حضرموت أراك يوماً        وفيك العلم قد أضــحى عبابا
نسير إلى اقتناص المجد صفاً        ولو زرع الطريق لنا حـرابا