الثلاثاء، 26 أبريل 2011

رؤية عن الوطن وقضاياه العادلة .. تغيير النظام وتصحيح الهوية

1
   لقد سقط النظام الرفاقي في الجنوب بعد ثورة شعبية بدأت بحركة طلابية وشبابية سنة 1989 مواكبة لسقوط الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية التي نال جبابرتها جزاءهم الرادع ، وبينما كان الشعب في الجنوب ينقض على نظام جلاديه إذا بالوحدة المستعجلة تنتشله من بين براثنه ، ويتم رفع شعار ( الوحدة تجب ما قبلها ) ، لإنقاذه من المحاسبة على إهدار الدماء والأموال في ربع قرن من الحكم الغاشم .
   وليس صحيحًا أن النظام الرفاقي إنما سقط في صيف 94 ، وليس صحيحًا أن المنتصر كان هو جيش حكومة صنعاء ومليشياتها الإصلاحية ، بل المنتصر هو الإرادة الشعبية في الجنوب التي لم تكن قد شفت غليلها بعد من جلاديها ، ولولا تلك الإرادة ما كان لتلك المليشيات أن تدخل شبرًا واحدًا من أراضي الجنوب ، هذه حقيقة مهمة كثيرون من يغفل عنها ويجب أن يضعها الجميع من جنوبيين وشماليين نصب أعينهم ، حتى يعلم كل منا حجمه الحقيقي فيما حدث .
   إن عدم وضوح هذه الحقيقة هو الذي جعل الطرف الذي ظن نفسه منتصرًا يستعلي على الجنوب والجنوبيين ، وقد برز في تلك الفترة الإصلاحيون الذين صبغوا على الحدث صفة مقدسة وطفقوا يبشروننا بجنة عرضها الشمال والجنوب إذا ما تم دحر المرتدين والانفصاليين لصالح فرسان الشرعية الدستورية ، ثم اتضح بعد أن وضعت الحرب أوزارها أن تلك الجنة لم تكن سوى الجنوب وحده الذي تقاسم الجميع كعكعته ، وصرنا نحن في نظرهم مجرد سبايا يجب أن تقنع بالفتات مما يمن به ساداتنا الجدد وتجديد الوفاء لهم والطاعة على الدوام .
   وقد تنبه الجنوبيون مبكرًا لتلك الخديعة من قبل نظام صنعاء وجناحه الديني والقبلي ، وكانت حضرموت سباقة في الرفض والتأبي ، منذ صيف سنة 1996 فيما سمي مظاهرات ( الضوراني ) ، ومن حينها والجنوب يغلي ، ويحاول النظام تهدأته أو تجاهل قضيته مع أذنابه من بقايا النظام الرفاقي وبعض المغترين بجناحه الديني حتى وصل الأمر ذروته في صيف 2007 ، حينما بلغ الغليان شعبي أقصى مداه ، إلا أنه للأسف حرم من القيادة التي تقوده إلى الوجهة السليمة للانتصار لمطالبه ، ومن ثم وقع في دوامة الموتورين من الرفاقيين ومن لحق بهم ، حتى أصابه الشلل وفقد ما كان له من حيوية وتعاطف شعبي عام .
2
   وتنتقل الثورة من الجنوب إلى الشمال ، وينقم الشماليون فجأة على نظامهم بتأثير ما يعتمل في المحيط العربي ، ويسارع رأس النظام بالإعلان عن تغيير سلوكه ويقدم المبادرات تلو المبادرات بكل سخاء ، وتضيع كلها في ضجيج الثورة المنادية برحيله ثم المطالبة بمحاكمته ، ولم نر هنا من يرفع شعار ( الثورة تجب ما قبلها ) ، بل تعالت الأصوات الانتقامية للدماء التي سيلت في بعض الساحات ، ولم تكن الدماء التي تسيل إبان الحراك الشعبي في الجنوب تحرك ساكنًا ، بل قد نسيت سيول من الدماء أهدرت من قبل تحت شعار ( الوحدة تجب ما قبلها ) ، وكأن هناك دماء غير الدماء فهناك دماء ساكني الأصل ودماء ساكني الفرع وهما لا يستويان مثلاً .
   ويبدو هنا الحلف الإصلاكي آمنًا مطمئنًا من مطاردة المحاكمات حيث يرى الرئيس ونظامه يبحثون عن مخرج قانوني يؤمنهم من المحاكمات ، وينسى أولئك أن المحاكمات المزمعة قد تطالهم إن لم يعملوا هم أيضًا على تأمين أنفسهم ، أو هكذا أظن ، أليسوا هم جزءًا من هذا النظام الذي تتم الدعوة إلى إسقاطه ومحاكمته ، أم أن الثورة الجديدة ستكيل بمكيالين ، لقد طالت المحاكمات في مصر جميع من كان في النظام سابقًا ولاحقًا من المسئولين أو من كان منتفعًا من سلطتهم بشكل أو بآخر ، فلماذا يبدو هؤلاء مطمئنين ؟
   إن التغيير ينبغي أن يأتي لا لاستهداف شخصيات بعينها أو لنصب المشانق وإقامة محاكم التفتيش ، بل لأنه ضرورة يقتضيها سير الحياة وتعاقب الأجيال ، ولنمو الوعي لدى طبقة الشباب المتأثر بعمق بما يدور حوله في العالم العربي وغير العربي من تطورات وتحولات ولاسيما في وجود الإنترنت والفضائيات ، فضلاً عن تنامي روح التدين في أوساطهم وهي التي ترفض الفساد بكافة مظاهره والظلم بجميع أشكاله سواء في الجنوب أو في الشمال ، تلك هي رؤية ثورة التغيير ، وأي روح انتقامية أو شخصانية ستكون دخيلة عليها وقد تؤدي إلى إفشالها .
3
   حلحلة الهوية الوطنية بحيث تسع كل المكونات في الساحة الوطنية وبكافة أطيافها يجب أن يكون مطلبًا ظاهرًا وبارزًا من مطالب الثورة القائمة ، وهذه النقطة هي التي سترضينا نحن الحضارم وكذلك الجنوبيين والحوثيين ، وإذا كان الحوثيون قد امتلكوا السلاح الناري ، والجنوبيون قد حصلوا على السلاح الإعلامي وعلى ساحات تمثلهم ، فيبقى الحضارمة هم الحلقة الأضعف .
   ومع ذلك فإننا نستمد قوة مطالبنا إلى حال أفضل بعمق انتمائنا وعطائنا الحضاري وبسعة أرضنا وغناها وتنوعها ، وبوفرة جالياتنا في العالم العربي والإسلامي ، وإذا كنا نشكو غفلة بعض كبار ساستنا المخضرمين عن الاعتراف بمطالبنا وطموحاتنا الخاصة والمشروعة والجهر بها ، فإننا لا نعدم كثيرًا من الرجال النابهين الذين بدأوا يطرحون تلك الطموحات بقوة سواء من بعض السياسيين الناشئين أو بعض رجال العلم والثقافة والمال والقبيلة ، وهؤلاء يجب أن يؤازروا من قبل الشباب في الساحات .
   وليس صحيحًا ما يروجه أو يظنه البعض من أن رفع مطالبنا وطموحاتنا يؤثر سلبًا على القضايا الأخرى كالتغيير أو الحراك بل العكس هو الصحيح ، فهذا الشأن ينبغي أن يكون من جملة مطالب الثورة تحت بند تصحيح الهوية التي ينبغي أن تكون أولى متطلبات ثورة التغيير حتى تكون ثورة عادلة تجسد نبض كل الشارع الوطني غربًا وشرقًا ، وبدون ذلك تكون ثورة منقوصة وحراكًا إلى المجهول .
دعاء
اللهم غير أحوالنا إلى حال بديل ، واهد ساحاتنا إلى سواء السبيل .

الأحد، 24 أبريل 2011

على هامش فعالية مركز ابن عبيد الله : كيف نحافظ على هويتنا ونرسخها على ضوء التجربة المصرية

   أثبت الأستاذ محمد حسن بن عبيد الله السقاف كيف يمكن للمثقف أن يكون حاضرًا في هموم أمته ويبذل لها ، من غير ملال وبكل تجرد ، النفيس من وقته وجهده وفكره ، فعبر إدارته لمركز ابن عبيد الله الأهلي نجده ومنذ فترة مبكرة يجتهد في إثارة قضايا حضرموت الحيوية في مختلف مجالاتها ، ليضعها في دائرة الاهتمام ويسلط عليها أضواء البحث والتحقيق والنقاش ، ويستقطب لذلك كبار الباحثين وناشئيهم على السواء ، تكريمًا للأولين وللاستفادة من خبراتهم ورسوخهم العلمي ، وتشجيعًا للآخرين والاستفادة من حماسهم ومثابرتهم العلمية ، وكل ذلك بجهود نابعة من الذات غير مرتبطة بأي جهة كانت بأي نوع من أنواع الارتباط .
   ومن وحي فعالية المركز الأخيرة التي التقت فيها سيئون عاصمة الوادي وأحقافه بالقاهرة عاصمة النيل وضفافه ، والتي كرست لمناقشة قضية الهوية الحضرمية وكيفية الحفاظ عليها وترسيخها ، فإننا لا نرى غضاضة في الاستفادة من التجربة المصرية في تأصيل الهوية الوطنية لاسيما أن المصريين من أكثر الشعوب العربية اعتزازًا بهويتهم القومية ووحدتهم الوطنية .
   والحقيقة الواضحة هنا أن المصريين لم يدخروا جهدًا أو حيلة لإبراز هويتهم وتجذيرها في نفوس الأجيال المتعاقبة ، سواء على المستوى الثقافي أو الفني أو الشعبي ، وهذه الروح المعتزة بالذات موجودة فينا نحن الحضارم كفطرة إنسانية ، ولا تحتاج إلا إلى تأصيلها وتطويرها لاسيما بعد سنوات طويلة من الاغتراب النفسي الذي فرض على علينا من خارجنا ، ولم تتقبله أصالتنا واستعصت عليه طبيعتنا .
   فمن ذلك المحافظة على الموروث الشعبي العام وزيارة سريعة منك لخان الخليلي بمصر وما حوله من حواري تنقلك توًا إلى زمان غير الزمان لما تراه من معمار للبيوت والمساجد وتصميم لواجهات المحلات ولما تشاهده من معروضات أثرية توقن أن أحدًا لم يعد يحتاج لاستعمالها ، ومع ذلك تعرض لا في المتاحف بل في الأسواق العامة إما ليشتريها هواة جمع الآثار القديمة أو للعرض والزينة اتساقًا مع المشهد العام الذي تجتمع فيه كل عصور مصر الفرعونية والإسلامية .
   وهناك الفرق الفنية التراثية التي تمثل التراث الفني المصري بمختلف أشكاله ، الديني والنوبي والسيناوي وما شابه ذلك ، ولكل فرقة قصر من القصور التراثية التي تعرض فيه بضاعتها الفنية في أيام مخصوصة من الشهر ، وتستقبل روادها من السائحين المصريين أو العرب أو الأجانب لتمتعهم بعروضها التراثية ، وبأسعار رمزية أو بالمجان اكتفاء بدعم الدولة لها .
   وهناك أسماء الشوارع في كل حي من أحياء القاهرة والمدن الأخرى فلا ترى شارعًا ولا زقاقًا لا يحمل اسمًا لأحد أعلام مصر سواء كان مشهورًا أو مغمورًا ، ويستوي في ذلك كل من أفاد مصر بفائدة وفي أي مجال كان ، فترى منهم الشهيد والمناضل والعالم والأديب وأستاذ الجامعة ونوابغ المهن الأخرى من سياسيين وأطباء ومحامين ومهندسين وصحافيين وممثلين وغيرهم ، فكل من أفاد بلاده يذكر بوضع اسمه على شارع أو زقاق بحسب حجم ودور العلم الفقيد . وهناك طبعًا أسماء المدارس والهيئات الثقافية الأخرى ، وتشمل تلك التسميات أيضًا الرموز التاريخية للأعلام والمواضع التي شهدت أحداث ذات بال في التاريخ المصري .
   وهناك المتاحف المتعددة والمتنوعة للتاريخ المصري العام أو المتخصصة في مجالات بعينها كالمتحف العسكري أو الزراعي أو البحري ، أو تقام لبعض الشخصيات الكبيرة ذات التأثير في التاريخ المصري السياسي أو الاجتماعي أو الأدبي ، وقد تقام في بيوتهم بعد شرائها من قبل الدولة أو في مواضع أخرى تابعة لبعض الهيئات الثقافية ، ولا ننسى هنا إقامة القرى التراثية السياحية الدائمة .
   هذا فضلاً عن التنويه بتاريخ مصر وأعلامها في مقررات التعليم الرسمي ومناهج الجامعات ، ولن نستطيع أن نحصي ذكر عشرات الندوات التي تقام يوميًا في المراكز الثقافية والنوادي الشبابية إضافة للمراكز التخصصية لبعض القضايا الحيوية لمناقشة زواياها وتطوراتها ، أو لكبار أعلام مصر للتعريف بعطائهم وجهودهم في المجالات التي برزوا فيها فكرًا وإبداعًا .
   ولا شك أن حضرموت لم تأخذ حظها من تلك الوسائل إلا أقل القليل مع أنها تحفل بتراث هائل في كل الأطياف سواء ما كان منها يعود إلى تاريخها العريق وتاريخ أعلامها وعطاءات مهاجريها ، أو في الجوانب الاجتماعية من تراث ديني وبحري وشعبي ، وكل ذلك لا نراه غالبًا إلا مسطورًا في الكتب مختبئ بين أوراقها التي لم ولن تسلم من عاديات الزمن ، حتى ما هو موجود من وسائل عرض قليلة فهو معرض للإهمال والتآكل ، وبعض منها تهمل أو يهون من قيمتها وفاعليتها بقصد ودون قصد ، فدعوة أوجهها عبر مركز ابن عبيد الله للاستفادة من الخبرات العملية المصرية للحفاظ على الذات وإنقاذ الهوية قبل أن نهوي على رءوسنا في مجاهل النسيان ، وهذا ما لن يحدث أبدًا إن شاء الله تعالى مع وجود أشخاص محبين وغيورين يرتجي منهم موطنهم كل خير له ولأبنائه حيثما كانوا .
مداخلة :
   عصام شرف رئيس حكومة ما بعد الثورة المصرية وفي ذكرى تحرير منطقة سيناء أعلن اعتذاره وعبر عن أسفه لأبناء سيناء على ما نالهم من إهمال وتهميش أيام حقبة مبارك غير المباركة ، فهل سنشهد رئيس حكومتنا القادم أيًا كان وهو يعتذر لأبناء حضرموت عن ما نالهم من إهمال ولاسيما في العهد الجنوبي ومن تهميش ولاسيما في العهد الشمالي ، هل نتوقع ذلك ؟

الثلاثاء، 19 أبريل 2011

أصالة المغترب الحضرمي

   كثيرون هم أدباؤنا الذين نشأوا على أرض حضرموت وبرزوا فيها ثم تلقفتهم أيدي الاغتراب ليواصلوا نبوغهم وتألقهم في مواطن اغترابهم ، ومن هؤلاء قديمًا امرؤ القيس الكندي ، ومنهم في عصرنا هذا علي أحمد باكثير .
   إن هناك أمورًا جمة مشتركة تجمع بين هذين الأديبين الحضرميين الكبيرين ، فمنها انتماؤهما إلى قبيلة واحدة هي قبيلة كندة التي يصفها المؤرخون بأنها أول قبيلة عربية حاولت جمع العرب في كيان سياسي واحد .
   وكلاهما عاش ربيع حياته في وادي حضرموت ، ثم اضطره فقد عزيز للهجرة ، فامرؤ القيس فقد أباه فارتحل لبناء مجده السياسي ، وباكثير فقد زوجته فارتحل لبناء مجده الأدبي ، ومع ذلك كان كلاهما مشدودة روحه إلى وطنه الأول وانعكس ذلك في أعمالهما الأدبية .
   كما جمع بينهما الإبداع الشعري والابتكار في فنونه بشهادة نقاد الأدب ، فعن الأول ذكروا أمورًا ابتكرها منها أنه أول من وقف واستوقف على الأطلال وبكى واستبكى ، وسبق إلى صور شعرية بديعة ولاسيما في وصف رحلاته المبكرة للصيد على ظهر حصانه ، وفي هذا الإطار يقول المؤرخ الأديب سعيد عوض باوزير :
   " إن شعر امرئ القيس الكندي أصدق وأوضح صورة للمستوى الرفيع الذي وصل إليه الأدب في حضرموت " .
   كما شهد نقاد الأدب لباكثير بإبداعات سبق غيره إليها منها أنه أول من ابتكر النظام الوزني الجديد للشعر العربي بما سمي بشعر التفعيلة أو الشعر الحر ، ومنها أنه أول من رسخ نثرية فن المسرحية وكتب المسرحية التسجيلية ، وغير ذلك مما يعلمه المهتمون بأدب باكثير والأدب العربي الحديث .
   وفوق ذلك نراهما مع اغترابهما الطويل عن موطنهما الحضرمي لم يغفلا عن روحهما الحضرمية التي تجلت في أعمالهما الأدبية التي تشهد لمن يقرأها بأصالة انتمائهما الوطني لأرضهما وقومهما ، ومن ذلك استعمالهما مفردات وتراكيب فصيحة من اللهجة الحضرمية .
   فإذا تأملت مثلاً معلقة امرئ القيس فلن تشك في حضرمية قائلها ، إذ ستلفت نظرك وسيقرع سمعك كلمات مثل ( غدوة ، مساويك ، السليط [ الزيت ] ، الكثيب ، الحنظل ، المداك ، ناقف ، بعر ، بعير ، الوليد [ بمعنى الصبي أو الغلام ] ، عروس ، حناء ، درع [ لباس للمرأة المسنة ] ، منارة ، فتيت ، حطه السيل ، يكب ، خيط موصل ) وغيرها .
   إضافة إلى بعض الاستعمالات اللغوية المعروفة في اللهجة الحضرمية كاستعمال مفردة ( يوم ) بمعنى حينما كقوله :
           ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة     فقالت لك الويلات إنك مرجل
واستعمال الفعل ( تقول ) بقصد التشبيه والوصف كما في بعض قصائده خارج المعلقة كقوله في وصف حصانه :
                 كالسِّيْد ما استقبلته وإذا     ولى (تقول) ململم ضرب
   والأمر نفسه نلاحظه عند باكثير في إيثار المفردة أو التركيب الأقرب للهجته الحضرمية في بعض كتاباته ، نضرب مثالاً بمقاطع من مسرحيته ( دار لقمان ) :
   ( يُسمع دق شديد على السدة الخارجية )
   وهو تعبير قريب من لهجته الحضرمية وقد اختار لفظتي ( دق ) و( السدة ) على لفظتي ( طرق وبوابة أو عتبة ) مثلاً .
   ( تعود ناعسة ببقجة فتعطيها لأحمد فيفتحها أحمد ليرى ما بها ثم يعيد عصبها )
   نجد فيها روح اللهجة الحضرمية ولاسيما في استعماله لمفردة ( بقجة ) التي ينطقها الحضارمة ( بقشة ) – وأصل الكلمة فارسي بمعنى صرة الثياب - ، ومثله الفعل ( عصب ) المتداول في لهجتنا ويترفع عنه اليوم كتابنا مفضلين بدلاً عنه الفعل ( ربط ) المعتاد في الكتابات المتأخرة .
   ومثال آخر في قول السلطانة ( شجر الدر ) وهي توبخ مساعديها على تلاومهم وتجادلهم أمامها : ( تتناقرون أمامي كالديكة ) ، وهو تعبير معروف وسائد في تلك الحالة لدى الحضارمة .
   ولعل باكثير كان مدركًا لحالات التشابه المتعددة بينه وبين جده امرئ القيس لذا نراه يقول من قصيدة له :
      إذا لـم أقلـها فذة عبقـرية          فلست لميراث امرئ القيس حاويا
   وكل ما ذكر يؤكد قوة الرابطة الحضرمية بين الإنسان الحضرمي وقومه وأرضه ومحافظته على صدق انتمائه إليها ووفائه لها على مدى التاريخ .

أبيات لشاعر حضرمي مغترب :

متى يا حضرموت أراك يوماً        وقد أصبحت للآســـــاد غابا
متى يا حضرموت أراك يوماً        بنيت على مصـــانعك القبابا
متى يا حضرموت أراك يوماً        وفيك العلم قد أضــحى عبابا
نسير إلى اقتناص المجد صفاً        ولو زرع الطريق لنا حـرابا

الأحد، 17 أبريل 2011

تاريخنا من الإرشيف المصري : وفد من جامعة القاهرة يزور جمعية الأخوة والمعاونة بتريم

   تشرفت جمعية الأخوة والمعاونة بمدينة تريم بزيارة وفد من جامعة القاهرة في أواخر العام 1936 ، وكانت حينها تحمل اسم ( الجامعة المصرية ) ، وقد استقبل الوفد المصري المكون من عدد من أساتذة الجامعة من حملة الدكتوراة بحفاوة بالغة من قبل القائمين على إدارة الجمعية وبعض من أعيان تريم .
   وأقيمت لهم مأدبة على هامش حفل تكريمي ألقيت فيه كلمات عن العلاقة التاريخية بين حضرموت ومصر ، وعن ريادة مصر السياسية والعلمية ، وألقيت القصائد الشعرية المرحبة بالوفد المصري الذي ألقى رئيسه كلمة شكر نيابة عن نفسه وزملائه لما حظوا به من تكريم وحفاوة .
   وقد اطلع الوفد على تجربة الجمعية النهضوية في الجانب الاجتماعي والجانب التعليمي ، ثم قاموا بجولة سياحية لبعض معالم وادي حضرموت ومن بينها بئر برهوت العجيبة .
   وتعد جمعية الأخوة والمعاونة التي تأسست في نهاية العشرينيات من القرن المنصرم من أكبر المؤسسات الأهلية التي أنشئت في حضرموت ، وأولت عناية كبيرة بالتعليم فأنشأت عددًا من المدارس للبنين والبنات ، وأرسلت عددًا من البعثات العلمية إلى مصر وغيرها من البلدان العربية الناهضة ، كما أذكت المجال الثقافي حين أصدرت مجلة شهرية حملت اسم ( الإخاء ) ، كما كان لها كثير من الأنشطة الثقافية والاجتماعية والخيرية .
   وقد حظيت هذه الجمعية التي حملت على عاتقها مشروعًا نهضويًا مبكرًا لحضرموت بعناية الصحافة المصرية التي دأبت على التعريف بها وبدورها الإيقاظي ، وحرصت على تغطية العديد من أنشطة الجمعية المتنوعة وأخبارها ومن بينها خبر زيارة ذلك الوفد الجامعي لأساتذة الجامعة المصرية .

الهوية الحضرمية والجهوية اليمنية

   لئن اعترفنا نحن الحضارمة باندراج أرضنا ضمن المفهوم الواسع لليمن الذي يشمل جغرافيًا معظم جنوب جزيرة العرب ، فإننا لا ينبغي أن نتناسى أن لليمن عند الآخرين مفهومهم المناطقي الجهوي جنوبًا أو شمالاً ، ومن ثم فإن بقاءنا مستقبلاً سياسيًا ضمن مفهوم اليمن يجب أن يحدده مدى سعة أفق جيراننا في الجهتين في الأخذ بهوية جديدة جامعة تعتمد على التنوع واحترام الخصوصيات بين كل أقاليم اليمن ومن بينها حضرموت .
   فمنذ اندماجنا تحت مسمى اليمن بجهته الجنوبية ثم بجهته الشمالية ونحن في غبن من كلا الجهتين على السواء ، وليس صحيحًا أن تجاهل هويتنا وتاريخنا كحضارم قد نشأ بعد عام تسعين بل إنما هو تكريس لما كان هو حاصل أصلاً منذ 67 ، وهو ما لاحظه بعض كبار مثقفينا ممن رحلوا عن دنيانا قبل قيام الوحدة بين الجهتين ، فمثلاً تجاهل تاريخنا وأعلامنا في مقررات التعليم شكا منه الأستاذ محمد بن صافي السقاف (ت1989) حين قال في نهاية السبعينيات :
   " أرى مقررات المدارس الابتدائية والثانوية ولا أرى من يذكر نصاً لأدبائنا وشعرائنا من أمثال شاعرنا ابن عبيد الله والحامد والشاطري والبار وباكثير وابن شهاب من هذه النصوص المليئة بها دواوينهم أو صحفنا ومجلاتنا القديمة كأن البلاد منها جرداء مقفرة " .
   ذلك لأنهم لم يعترفوا بهذه الصحف والمجلات أصلاً لأنها ببساطة حضرمية وليست جنوبية بشهادة أحد سكان الجهة الجنوبية وهو الأستاذ عمر الجاوي الذي لاحظ غياب ذكرها في مؤتمر عقد في عدن عن الصحافة المحلية ، فقال :
   " إذا كانت الدراسة تعني بالمحلية جنوب الوطن فلماذا تجاهلت الصحف والمجلات التي صدرت في حضرموت أو التي أصدرها الحضارمة في إندونيسيا وغيرها " .
   إنها الهوية التي كان يفاخر بها الحضارمة قبل نكسة 67 بحضارة عاد وإرم وبلاد الأحقاف واللبان ، ثم استبدلنا بها حضارة سبأ ومأرب التي باتت أساطيرها تتلى علينا بكرة وأصيلاً ، وأبدلونا عن الأحقاف بجنتين تنبت البن والقات بديلاً عن اللبان والبخور ، وإذا نظرت إلى الشعار الجهوي فلن ترى فيه غير سد مأرب وثمرة البن .
   كل ما في الأمر أن أصحاب الجهة الجنوبية قد أصابتهم لعنة الحضارمة فشربوا معنا بعد 90 من ذات الكأس الذي سقونا منها من قبل ، إلا إن هؤلاء كانوا أكثر تمردًا وجرأة منا فجأروا بقضيتهم الجنوبية وفتشوا عن هويتهم القديمة تحت مسمى ( الجنوب العربي ) ومن ثم نادوا ( وبكل وقاحة ) ودون أي مراعاة لأي جهة كانت بالاستقلال وفك الارتباط .
   أما نحن الحضارم فمتواضعون جدًا ومأدبون للغاية ونحس بالآخرين ولا نريد أن نجرح شعور أحد ، ونخجل أن نظهر هويتنا المستقلة رغم تجذرها وأصالتها ، فما أن أعلنا عن مطالبنا حتى قمنا مراعاة للآخرين في الجهتين بصياغة عبارة ( تطمين ) فيما عرف بإعلان حضرموت فقلنا وبكل أدب وتواضع ( لا رغبة لنا في إقامة دولة مستقلة خاصة بنا ، وعليه فإننا لا نشكل تهديدًا لأحد ) ، وأنا لا أدري منذ متى أصبح الحضارمة مصدر تهديد لجيراننا ، سواء قبل انضمامنا معهم أو بعدها ، وما الذي تركناه لإخواننا الحوثيين ليقولوه وهم الذين يمتلكون كل أنواع الأسلحة الفتاكة والدكاكة ، وما الذي تركناه للجنوبيين وهم الذين ملأوا الفضاء بطلب الاستقلال ، أم إننا نطمئن الذين هم حريصون على ضم حضرموت أرضًا فقط لأجل سواد نفطنا لا غير ، حيث لا نفط لا مع الجنوبي ولا مع الحوثي !!
   إنني لم أعد أدري من هو المتضرر من الآخر أنحن الحضارمة أم إخواننا في الجهتين ، وكل ما أعرفه حتى الآن أننا بهذه العبارة القصيرة نصادر سنين طويلة رزحنا خلالها تحت نير الجهتين ، ونحتاج منهم هم لبيان اطمئنان لنا لمستقبلنا الذي يجب أن نصيغه وحدنا دون تدخل أو وصاية منهم وتحت أي مبرر ، فهل سيتركوننا نفعل ذلك ثقة برسالة الطمأنة .
   بل نحتاج منهما معًا لاعتذار لنا إن لم أقل تعويضات عما خسرته حضرموت وأبناؤها بسبب القبضة الحديدية التي حكمت بها من كلا الجهتين تحت تخبطات السياسة الرفاقية الجنوبية ووساوس العقدة الشمالية .
   أقول أخيرًا إن مجلسنا الأهلي اليوم قد أصبح في مرحلة متقدمة سبق فيها السلطة المحلية من حيث شرعيته وشعبيته ، ومن ثم فإننا تحتاج منه ومن نظرائه خطابًا أقوى وأدق وأشمل لطموحاتنا ، أما إخواننا في سائر اليمن فنقول لهم بكل أدب واحترام : إن أردتمونا فأخرجوا أنفسكم أولاً من ضيق الجهوية إلى سعة الهوية ، أو .. ( كل حي يروح لحاله ) و( كل واحد يشوف مصلحته أحسن ) .

الجمعة، 8 أبريل 2011

الثورة المصرية تنفخ روحًا جديدة في المصريين

   يشعر المصريون منذ تنحي مبارك بانتشاء لا يمكن وصفه إذ تمكنوا بجمعهم ووقفتهم العنيدة من تحطيم أصنام السياسة الذين كانوا يرتعبون بمجرد ذكر أسمائهم على اللسان ، وإذا بهم يتساقطون في مهاوى الإقالات والمحاكمات والإقامات الجبرية ، وانكشاف ملفاتهم السوداء ، لتدب على وقع تلك العجائب روح جديدة مختلفة في كل مصري .
   ولم يكتف المصريون برحيل الساسة التقليديين ، بل صاروا يتلفتون حولهم لاقتناص كل مسئول أو مدير وانتزاعه من موقعه ، لا ينتظرون قرارات من أعلى بالعزل ، كيف ذلك وهم قد عزلوا علية القوم أنفسهم ، أفنعجز عن من هم دونهم ، وما السبيل إلى ذلك ، وهل من سبيل غيره ، إنه الاعتصام والوقفات الاحتجاجية ، وانتشرت الاعتصامات والوقفات وعلت الهتافات حتى لم يكد يخل موضع من ضجيجها .
   ومن بينها جامعة القاهرة ، وفي الكلية التي أدرس بها رأيت سيناريو الثورة مصغرًا ، بوابة الكلية تزدحم بطلبة معتصمين تحف بهم يافطات المطالبة برحيل عميد الكلية وإدارته التي يرونها فاسدة ، وفي يوم تالٍ رأيتهم وقد اقتحموا بهو الكلية تتردد صيحاتهم في جنباتها ، وفي يوم يليه رأيت عجبًا ، عدد من الخيم عند البوابة ، ولا طلاب ، أين هم ؟ دخلت فسمعت هتافهم وإذا بجمعهم قد تكالب على باب مكتب العميد نفسه ، ولا أدري أهو بداخل مكتبه أو لا .
   وفي موضع آخر رأيت جمعًا من الموظفين قد تدافعوا على مدير لهم وهم يشنعون عليه بهتافاتهم ، وقفت أرصد المشهد العجيب ، وما هي إلا لحظات حتى أقبل رجال من الشرطة العسكرية من لابسي الطاقيات الحمراء ، فإذا بالموظفين المحتجين يهتفون ( الشعب والجيش إيد وحدة ) ، لينتشي على وقعها رجال العسكرية ، ويقتحمون مكتب المدير وطبعًا ما على المدير إلا أن يلملم أوراقه طوعًا للشعب كما فعل رئيسه من قبل .
   وفي طريقي إلى دار الكتب المصرية وأنا في ( الميكروباص ) رأيت تظاهرة عند مبنى التلفزيون ولا تحتاج طبعًا أن تقرأ لافتاتهم لتعرف أنهم يطلبون الإطاحة بإدارته ، فقد أصبح هذا المشهد مألوفًا ، ويثير جدلاً بين المصريين بين معجب به ومتبرم منه ، وكان الجدال محتدًا بين بعض الركاب وسمعت أحدهم يقول متهكمًا : ذه دلوأتي كل من زعلته مراته نزل يعمل اعتصام .
   بل إن المصريين يحاولون الآن أن يثوروا على حياتهم العامة فترى دعوات جمة مكتوبة تدعو إلى أن يسري التغيير ليطال السلوك العام نحو عالم المثل ، باحترام مواعيد العمل ، بصدق المعاملات ، بالمحافظة على المال العام ، بالوقوف ضد المسيء حيثما كان ، بالالتزام بإشارات المرور ، بالمحافظة على نظافة الشارع ، وهلم جرًا .
   لقد غيرت الثورة كثيرًا في سلوكيات المصريين الذين يشعرون شعورًا عنيفًا بملكيتهم للثورة الظافرة ، فترى الأعلام تباع في الميادين العامة وعند الإشارات المرورية ، ويباع معها شارات الثورة من فانيلات أو ملصقات عليها علم الدولة أو صور للشباب من الشهداء أو صور ساخرة لرموز النظام السابق ، وأبرز تلك الملصقات انتشارًا ملصق على شكل لوحة أرقام سيارات مقسوم إلى مستطيلين أعلاها مكتوب عليه مصر وأسفلها يتقاسمه خانة لرقم تاريخ الثورة ( 25 ) والخانة الأخرى لاسم شهر الثورة ( يناير ) ، ولا تكاد الآن ترى مركبة إلا وتضع ذلك الملصق شريكًا لرقمها المروري .
   لقد أصبح الشعب المصري يشعر الآن أن البلد بلده والدولة دولته ، وأصبح من المعتاد أن ترى في مواضع عديدة صورًا للعلم المصري وقد ملئ بالأسماء المصرية عربية وقبطية ومكتوب في وسطه ( كلنا مصر ) ، إنها لم تعد بلد الحكومة ، بل إن الحكومة بما فيها الجيش مجرد خادم مطيع للشعب الآمر الناهي الذي أصبح لسان حاله يقول قد أفلح اليوم من اعتصم واحتج وجلجل بصوته عاليًا .

الأحد، 3 أبريل 2011

هل نحن معنيون بطمأنة الآخرين

حضرموت لها مقومات دولة ، كلام دائمًا يصك آذاننا لا من إخواننا من الحضارم بل من الأطراف الأخرى ، ونعرف دائمًا ما مغزاه وأنه ليس من قبيل مدح حضرموت والاعتراف بحجمها بل هو من قبيل لمز ساكنيها بأنهم مناطقيون أو انفصاليون أو استقلاليون ، وهو قول بل عقيدة راسخة لدى تلك الأطراف تغذيه عقدة عنصرية من المتعذر معالجتها ، وعلى ضوء تلك العقيدة والعقدة لا تتعامل مع حضرموت بوصفها جزءًا من الوطن اليمني بل وصفها غنيمة منّ بها الدهر عليهم وليسوا مطمئنين لبقائها أو دوامها .
   ولذا فإن أي تحرك أو مبادرة عادية تصدر من العناصر الحضرمية أيًا كان شكلها أو طبيعتها تجعل العقدة العنصرية عند أولئك الأطراف تولول بشدة ، ولا يمكن إسكات تلك الولولة إلا بتحريف ذلك التحرك عن مساره أو إقحام فيه بعضًا من أفرادها لغرض إفساده بطريقة أو بأخرى ، فالحضرمي حين ينفرد وحده بمشروع على أرضه غير مؤتمن أو هو قاصر على الأقل يجب الوصاية عليه لضمان حسن سيره وسلوكه ، والشواهد على كل ذلك أكثر من أن تقال أو تذكر .
   ومن ثم فالحضرمي عند تلك الأطرف مذنب متهم مهما فعل أو قال إلا إذا انسلخ تمامًا من حضرميته أو أهان نفسه وقومه على رؤوس الأشهاد فربما ترفع عنه تلك التهم أو الوساوس على أن يبقى دائمًا تحت التحفظ والمراقبة ، ومن ثم مطلوب منه أن يصرح بمناسبة وبغيرها عن امتنانه ووفائه للأطراف ويعبر دائمًا عن حسن نواياه وصدق ولائه تجاه الوطن وأطرافه التي تتوجس منه خيفة يعرف هو أنها لن تشفى منها .
   والحقيقة التي لا مراء فيها أن تلك الأطراف هي من يجب عليها أن تعبر عن حسن نواياها نحو حضرموت وقاطنيها وتطلعاتهم ، بأقوالها وأفعالها ، لا نحن الحضارمة الذين لم يعد معنا شيئًا نخسره أو نخاف عليه فبلدنا مغتصبة ومنهوبة من حائها إلى تائها منذ ما يزيد على أربعين عامًا ، ومع ذلك يظن بعضنا أنه يجب علينا نحن أن نظهر حسن النوايا وولاءنا ، والسؤال هو لمن نظهره ولماذا وهل سيجدي ذلك نفعًا .
  يقول أستاذي باصرة في تصريحه " نطمئن الناس " ولم يظهر مراده بهؤلاء ( الناس ) ، إنه تعبير لم يستعمله حتى مالكي القنابل النووية ، إذا كان يقصد بالناس كل ساكني المعمورة الذين أقض مضجعهم أن تشكل حضرموت مجلسًا لها ، هل يقصد بهم الناس داخل حضرموت أو خارج حضرموت ، وهل نحن نحتاج لمن يطمئننا من مجلسنا ؟ لماذا لا نجرب مرة أن نجعل الأطراف تخاف مننا بل ترتعب ( حتى حق كذب ) وتعمل لتحركاتنا ألف حساب وحساب ، أليس ذلك أجدى لنا ، وقد جربنا عقودًا من الانبطاح الوطني الذي لم يزد الآخرين إلا عتوًا علينا واستخفافًا بنا ، إنه الانبطاح الذي نراه لأول مرة بصورة رسمية في مقولة ( من يحكم نحن معه ) ، بعد أن كان مجرد مقولات شعبية ساخرة نعرفها كلنا ، فهل هذه العبارة تمثل ضمير باصرة الشخصي أو تمثل حزبه أم إنها تمثل سياسة المجلس الأهلي وهذا أخطر ما يكون .
   رأينا باصرة يتحدث باسم المجلس ليقول بأن مهمته هي " لمساندة السلطة المحلية والأمنية في المحافظة عند حدوث أي اختلالات أمنية " ، فهل مهمة المجلس مقتصرة على هذا الشأن فقط ، وهل هذا هو رأي رئيسه ولجانه ؟ وهل هو لمساندة السلطة وحراستها أو لمساندة الأهالي وعلى أيهما هو حريص ؟ أليس هناك ضعف في التعبير وفي توصيل الرسالة لا يتناسب وما يمكن أن نتوقعه من شخص بموقع باصرة الذي هو نائب برلماني وزعيم أكبر أحزاب المعارضة بحضرموت ونائب الأهلي ، وهو يقول أيضًا أن المجلس "  ضمن السلطة " فهل هذا صحيح ؟ إذا كان من حق باصرة الذي يتحدث عن ( الشرعية الدستورية ) أن يتضاءل وينبطح في إطار حزبه المبني أصلاً على الانبطاح والتبعية المطلقة فإنه ليس له الحق أن ينقل ذلك العوار إلى مجلس حضرمي شعبي مستقل . أليس كذلك ؟
   أيها القوم نحن لسنا معنيين بطمأنة الآخرين ، بل العكس هو الصحيح ، حضرموت قدمت بسخاء كل ما لديها من خيراتها ومن كفاءات أبنائها ، وماذا بعد ، ماذا يريدون منا ؟ ماذا يريدون منا ؟ وما الذي قدمه لنا الآخرون ، هل كلما نبح كلب علينا أصغينا له أسماعنا وتعهدنا بإرضائه وإشباعه ولو على حساب كرمنا وشرفنا .
   إخواني في المجالس الأهلية واللجان الشعبية بحضرموت اعملوا ما شئتم وامضوا إلى أقصى ما تستطيعون وقوموا بما ترونه مناسبًا لوطنكم وأهليكم ، فستتحدث عنكم أعمالكم وسيحترمها ويحترمكم الآخرون أو من صلح منهم .

مع فروع الأحزاب بحضرموت

فجأة غابت أصوات فروع الأحزاب السياسية بحضرموت ولاسيما المعارضة منها ، وكأن ما يعتمل في حضرموت أمر لا يعنيها ، فقد عهدناها تتقن الصمت عند الحاجة مكتفية ببعض المواسم البروتوكولية لطرح رؤى فضفاضة أو بيانات مقتضبة لا تكاد تسمن ولا تغني ، ولا تعني غير ملء أدبياتها بمزيد من زخرف القول الذي لا يحق حقًا ولا يبطل باطلاً .
   نعم رأينا رموزًا لها متواجدة في بعض المجالس الأهلية المشكلة ، لكن هل هذا كاف بالنسبة لها ، أليست هي هيئات سياسية معترف بها ولها أطرها التنظيمية ولها أعضاؤها وقواعدها وأنصارها ، فأين دورها إذن في بلورة موقف سياسي واضح حول كل ما يدور في نطاقها الجغرافي ، موقف يساند تلك المجالس ويوفر لها غطاء سياسيًا يعزز أهدافها وأنشطتها .
   ينبغي لفروع الأحزاب السياسية بحضرموت سلطة ومعارضة أن تعلن موقفًا واضحًا وصريحًا من تطلعات أبناء حضرموت على ضوء المعطيات الجديدة في الواقع الوطني والمحلي ، وإيضاح المشروعية السياسية لتلك التطلعات وتعمل على بلورتها في رؤية سياسية طموحة تتبناها وتمدها بالبعد السياسي القانوني ، لتكون جزءًا من برامجها ومطالبها السياسية ، وقبل ذلك جزءًا من همها وهم أنصارها ، حتى نصبح في مرحلة نكون فيها فاعلين وضاغطين لا مفعولاً بنا أو متكرمًا علينا .
   كما ينبغي في إطار الاتجاه نحو الإقليمية أو الفيدرالية أن تبادر بالتنسيق مع فروع المحافظتين المجاورتين ، على الأقل حاليًا في مسعى للتعارف وتبادل الرؤى والأفكار استعدادًا للتهيئة العامة لمستقبل المنطقة الشرقية لليمن التي يجمعها ثقافة واحدة ونسيج اجتماعي موحد ومصالح مشتركة ومتكاملة .
   أحب أن تكون تلك الفروع مقدرة في فعلها وحركتها لا في أقوالها لحجم حضرموت ومكانتها وطموح أهاليها بحيث نجدها مبادرة وسباقة لوضع الرؤى والخطط العملية للرقي بالوضع الحضرمي والدفع به ، أليس يفترض أنها تضم النخب السياسية الواعية لهذه البلدة الطيبة المغلوب على أمرها ، وأكره أن تكتفي بالتقوقع داخل أطرها تنتظر موسمًا للخطابات أو تترقب موجات لتركبها ، أو تتسمع لما يصدر عن مراكزها التي لا تستطيع ولن تستطيع أن تتفهم طموحات إنسان حضرموت .
   مرة أخرى لا أدري إذا كان هؤلاء سيقومون بدور المتفرج على المسرح السياسي الحضرمي ، فمن ننتظره أن يكون ممثلاً أو لاعبًا فيه ؟