الجمعة، 8 أبريل 2011

الثورة المصرية تنفخ روحًا جديدة في المصريين

   يشعر المصريون منذ تنحي مبارك بانتشاء لا يمكن وصفه إذ تمكنوا بجمعهم ووقفتهم العنيدة من تحطيم أصنام السياسة الذين كانوا يرتعبون بمجرد ذكر أسمائهم على اللسان ، وإذا بهم يتساقطون في مهاوى الإقالات والمحاكمات والإقامات الجبرية ، وانكشاف ملفاتهم السوداء ، لتدب على وقع تلك العجائب روح جديدة مختلفة في كل مصري .
   ولم يكتف المصريون برحيل الساسة التقليديين ، بل صاروا يتلفتون حولهم لاقتناص كل مسئول أو مدير وانتزاعه من موقعه ، لا ينتظرون قرارات من أعلى بالعزل ، كيف ذلك وهم قد عزلوا علية القوم أنفسهم ، أفنعجز عن من هم دونهم ، وما السبيل إلى ذلك ، وهل من سبيل غيره ، إنه الاعتصام والوقفات الاحتجاجية ، وانتشرت الاعتصامات والوقفات وعلت الهتافات حتى لم يكد يخل موضع من ضجيجها .
   ومن بينها جامعة القاهرة ، وفي الكلية التي أدرس بها رأيت سيناريو الثورة مصغرًا ، بوابة الكلية تزدحم بطلبة معتصمين تحف بهم يافطات المطالبة برحيل عميد الكلية وإدارته التي يرونها فاسدة ، وفي يوم تالٍ رأيتهم وقد اقتحموا بهو الكلية تتردد صيحاتهم في جنباتها ، وفي يوم يليه رأيت عجبًا ، عدد من الخيم عند البوابة ، ولا طلاب ، أين هم ؟ دخلت فسمعت هتافهم وإذا بجمعهم قد تكالب على باب مكتب العميد نفسه ، ولا أدري أهو بداخل مكتبه أو لا .
   وفي موضع آخر رأيت جمعًا من الموظفين قد تدافعوا على مدير لهم وهم يشنعون عليه بهتافاتهم ، وقفت أرصد المشهد العجيب ، وما هي إلا لحظات حتى أقبل رجال من الشرطة العسكرية من لابسي الطاقيات الحمراء ، فإذا بالموظفين المحتجين يهتفون ( الشعب والجيش إيد وحدة ) ، لينتشي على وقعها رجال العسكرية ، ويقتحمون مكتب المدير وطبعًا ما على المدير إلا أن يلملم أوراقه طوعًا للشعب كما فعل رئيسه من قبل .
   وفي طريقي إلى دار الكتب المصرية وأنا في ( الميكروباص ) رأيت تظاهرة عند مبنى التلفزيون ولا تحتاج طبعًا أن تقرأ لافتاتهم لتعرف أنهم يطلبون الإطاحة بإدارته ، فقد أصبح هذا المشهد مألوفًا ، ويثير جدلاً بين المصريين بين معجب به ومتبرم منه ، وكان الجدال محتدًا بين بعض الركاب وسمعت أحدهم يقول متهكمًا : ذه دلوأتي كل من زعلته مراته نزل يعمل اعتصام .
   بل إن المصريين يحاولون الآن أن يثوروا على حياتهم العامة فترى دعوات جمة مكتوبة تدعو إلى أن يسري التغيير ليطال السلوك العام نحو عالم المثل ، باحترام مواعيد العمل ، بصدق المعاملات ، بالمحافظة على المال العام ، بالوقوف ضد المسيء حيثما كان ، بالالتزام بإشارات المرور ، بالمحافظة على نظافة الشارع ، وهلم جرًا .
   لقد غيرت الثورة كثيرًا في سلوكيات المصريين الذين يشعرون شعورًا عنيفًا بملكيتهم للثورة الظافرة ، فترى الأعلام تباع في الميادين العامة وعند الإشارات المرورية ، ويباع معها شارات الثورة من فانيلات أو ملصقات عليها علم الدولة أو صور للشباب من الشهداء أو صور ساخرة لرموز النظام السابق ، وأبرز تلك الملصقات انتشارًا ملصق على شكل لوحة أرقام سيارات مقسوم إلى مستطيلين أعلاها مكتوب عليه مصر وأسفلها يتقاسمه خانة لرقم تاريخ الثورة ( 25 ) والخانة الأخرى لاسم شهر الثورة ( يناير ) ، ولا تكاد الآن ترى مركبة إلا وتضع ذلك الملصق شريكًا لرقمها المروري .
   لقد أصبح الشعب المصري يشعر الآن أن البلد بلده والدولة دولته ، وأصبح من المعتاد أن ترى في مواضع عديدة صورًا للعلم المصري وقد ملئ بالأسماء المصرية عربية وقبطية ومكتوب في وسطه ( كلنا مصر ) ، إنها لم تعد بلد الحكومة ، بل إن الحكومة بما فيها الجيش مجرد خادم مطيع للشعب الآمر الناهي الذي أصبح لسان حاله يقول قد أفلح اليوم من اعتصم واحتج وجلجل بصوته عاليًا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق