الجمعة، 17 يونيو 2011

نحن والجنوبيون`


   يبدو أن ربع قرن من الانخراط مع الجنوبيين كحكام علينا قد أورثت في كثير منا الانحناء للجنوبي وتعملقه في نفوسنا حتى صار كأنه هو المتفضل علينا وأننا نحن جزء منه حتى صار الخيار أن نصبح جزءًا من دولته وليس العكس .
   إنني أريد أن أسأل هل كانت ما يسمى بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية هي دولة الجنوبيين وحدهم وكنا نحن الحضارمة لاجئين لديهم كحال اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مثلاً ، أم كنا شركاء في الدولة سواء بسواء . لكن لماذا ما زال البعض يصور تلك الدولة وكأنها دولة أناس آخرين ( الجنوبيين ) وعلينا نحن أن نكون أو لا نكون منها ؟
   ألسنا نحن الأحرى بها وعلى الآخر هو الذي أن يختار البقاء معنا أو يستقل بنفسه وأرضه عنا ، لمن المساحة الأكبر في تلك الدولة ، لمن ثرواتها البرية والبحرية ، أين موضع الثقل الثقافي والتاريخي ، لقد غفلنا نحن الحضارمة عن هذا كله في خريف 67 وسلمنا أنفسنا لأناس من غير هوية ( الجنوبيين ) في تلك الدولة لنصبح جزءًا منهم بينما الحقيقة أنهم هم جزء منا ، أو هكذا ينبغي ، لا العكس ، وها نحن اليوم يكرر بعضنا هذا الأمر العجيب .
   إن كثيرًا من المؤرخين يعترفون بقوة الوجود الحضرمي في عدن ونواحيها ( الجنوب ) ، ولن أتكلم هنا عن الأقوال التي تشير إلى امتداد مفهوم حضرموت لتشمل معظم الساحل الجنوبي الغربي ، لكن سأتكلم عن فاعلية العنصر البشري ، فمعظم الدراسات التاريخية – ومنها الأكاديمية – تشير إلى فعالية العنصر الحضرمي في عدن ولاسيما في الحياة العلمية والثقافية ، فمعظم العلماء الذين برزوا هناك هم من الحضارمة بشهادة المؤرخ المستشرق سارجنت ، وتاريخ عدن مملوء بأسماء من مثل ( بامخرمة باشكيل باحميش باوزير العيدروس ) وكثير غيرها ، وعندما تحدث محمد علي لقمان في صحيفته فتاة الجزيرة عن الحياة الأدبية في عدن في الأربعينيات اعترف أن الفضل يعود لتنشيطها هناك لأربعة من العرب هم عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف وعلي أحمد باكثير وصالح الحامد وعبد الله بن يحيى ، وهؤلاء كلهم لا تخفى هويتهم .
   لقد كان بعضنا يثرثر ويقول لنتحد مع شركائنا الجنوبيين حتى نتحرر من الشماليين ثم من السهل أن نتفاهم مع الجنوبيين لنيل حقوقنا الخاصة بنا كحضارم ، فنحن بحاجة لما يتصف به الجنوبي ولاسيما جماعة الضالع وردفان ويافع من قوة الشكيمة لمواجهة القبلي الشمالي ، وكنت أضحك في نفسي من هذا القول ، لأنني أعرف جيدًا أن الصلة بيننا وبين القوم ليست بهذه السطحية ، فضلاً عن ما فيها من استخفاف وازدراء بقوتنا نحن الحضارم التي نسيناها بنسيان بطولاتنا أسلافنا عبر التاريخ ، بل إلى حاضرنا هذا ، وكل ما في الأمر أننا أشربنا احتقار أنفسنا وإمكانياتنا واستعظام ما عند الآخر ( سواء في الشمال أو في الجنوب ) .
   أنا في رأيي أن ما يجمعنا نحن الحضارم مع الجنوبيين فضلاً عن ( الغبن المشترك ) ، الشيء الكثير والكثير جدًا ، لكن لابد من تصحيح البوصلة بحيث نصبح نحن قطبها ، وعلى الآخر أن يختار أن يسير في ركابنا ويتلبس هو بهويتنا مع احترام ما قد يكون له من بعض الخصوصية ، أو فليبحث له عن هوية وليعد قراءة تاريخه .

السبت، 14 مايو 2011

على هامش ملتقى القاهرة

   لم أكن أحد المشاركين في ملتقى القاهرة ولا حتى من المدعوين إليه ، إنما جئته من باب الفضول لا غير ، استجابة لإلحاح بعض زملائي للحضور ، فكان أن حضرت منه الجلسة الأخيرة المنعقدة الأربعاء الماضي في فندق ( بيراميزا ) أحد الفنادق السياحية الفخمة وسط القاهرة .
   عقد الملتقى باسم القضية الجنوبية ومناقشة رؤية لها ، وكنت محتارًا في نفسي بأي صفة أحضره هل بصفتي يمنيًا كما تقول هوية الجواز الذي أحمله في جيبي ، أو بصفتي حضرميًا كما يقول قلبي الذي بين جنبي ، وبين هذا وهذا فإني لا أستشعر لا رسميًا ولا نفسيًا أنني جنوبي ، لأن مصطلح الجنوب الذي تنسب إليه هذه القضية ما زال ، بصراحة ، غامض المدلول والهوية عندي .
   لكن لو سلمنا واتفقنا أننا كلنا أننا جنوبيين فما الذي يجمعنا الآن غير الألم الآني من الظلم الشمالي ، لكن هذا الظلم هل هو مرتبط بالشمال كجهة أو بالنظام القائم المتوقع سقوطه ، فإذا ما سقط هل سيبقى شيء يجمعنا ، إن الملتقى كان مشددًا على أن القضية الجنوبية لا تسقط بسقوط النظام ؟
   ولكن ماذا بعد ذلك ؟ سيقال أنه كانت تجمعنا دولة سابقة ، لكن هذه الدولة هي الأخرى أصبحت من غير هوية ظاهرة ، فهي قد اتخذت منذ ظهورها وخلال عشرين سنة من عمرها الصبغة اليمنية هوية لها ، فإذا آمنا بالقضية الجنوبية فما هي الهوية الجديدة لهذه الرابطة الجهوية سواء أكانت دولة مستقلة كما يطالب البعض أو إقليمًا فيدراليًا كما يرى البعض الآخر ؟ لم أجد جوابًا في ذلك الملتقى .
   كما أن تجربتنا نحن الحضارم مع تلك الدولة لم تكن مريحة لنا كما أعتقد ، ولم يشر الملتقى رسميًا على الأقل إلى وضع حضرموت في الإقليم الجنوبي كما يراه أو يدعو إليه ، بل تجاهل الأمر تمامًا وكأننا لم نمر بتجربة سابقة ، تتوخى منا أن نكون أكثر حذرًا في خطواتنا سواء نحو الجنوب أو نحو الشمال ، ولا نسلم لحماس اللحظة الجامعة أو لحسن النوايا ، بل يجب أن نكون أكثر جدية في وضع احتياطاتنا إذا أردنا أن نسلم بوضعنا ضمن الجنوب .
   كيف ستكون العلاقة بين حضرموت والجنوب في هكذا إقليم . هل ستكون علاقة تكامل وتنسيق أم علاقة تبعية وارتباط ؟ هل أنا كحضرمي محتاج أن أكون مع الجنوبي في كيان واحد إقليمي أو العكس هو الصحيح ؟ ، من الأكبر مساحة ؟ من الأغنى ؟ من الأرسخ هوية وثقافة ؟ إذن لماذا نرضى بالهمس بهواجسنا ولا نعلنها ولا نتكاشف مع إخواننا الجنوبيين حتى يعرف كل وضعه وحجمه ، ونعرف من هو محتاج مستقبلاً ، وليس آنيًا ، للآخر ، وإلا ما الذي يلزمني أنا الحضرمي أن أربط مصيري ومصير أرضي مع من لا يحب الصراحة والمكاشفة أو سيتهم مثيرها بشق الصف وما إلى ذلك .
   نحن الآن في حاجة إلى بعض هذا صحيح ، لكن في سبيل مصلحة مشتركة أبعد مدى ، علينا أن نرسم صورة كاملة وصريحة وجادة لمستقبل علاقاتنا التي يجب بحكم التجربة ألا تقوم على الارتباط بل على التنسيق والتكامل ، أما الذهاب بعاطفة اللحظة إلى الارتباط وإلزامي به دون أن أعرف ما لي وما علي ودون توضيح لطبيعة العلاقة التي ستتم بين طرفي الإقليم المزمع فهو انتحار سياسي محض لمن يتبناه على تلك الشاكلة .
   إن ما يجمعنا نحن الحضارم بإخواننا الجنوبيين أكثر من يحصى ، وإن العلاقة كانت قبل عام النكسة بين الجانبين شديدة الترابط والودية ، حتى إن السيد العطاس سكرتير السلطنة القعيطية المستقلة نسبيًا آنذاك قد صرح في تجرد تام بأن نفط حضرموت ليس لحضرموت وحدها بل لكل إمارات (الجنوب العربي) ، وفي لحظة حماس وحسن نية ارتبطت حضرموت اعتباطًا سياسيًا بعدن فكيف سارت الأمور ؟
   عمومًا فإن الملتقى ما هو إلا لقاء تشاوري لا غير وغير ملزم لأي أحد أو أي طرف ، مع أنه قد ختم بقسم عجيب لا أدري من اخترع فكرته وصياغته وذكرني بشيء مضى ؟ وقد بشر بمؤتمر لاحق تتم فيه بلورة الأفكار المطروحة عن المسألة الجنوبية الحضرمية ، لذا ينبغي أن يكون أكثر مكاشفة وإضاءة لما يجول بخاطر كل حضرمي حتى يصبح لقاءنا مع الجنوب ، إذا كان ولابد ، أكثر نجاعة ولاسيما في تحديد نوع هويته أو طبيعة العلاقة بين أطرافه .

حكمة الملتقى
لن نكسب القضية إلا بنفوس رضية .

الجمعة، 6 مايو 2011

العصبية لحضرموت

  لا أدري لماذا يتضايق البعض من حديثنا نحن الحضارمة عن هويتنا واستشعارنا لذاتنا والتذكير بها والانتساب إليها ، ويعد ذلك نوعًا من النرجسية أو ضربًا من العصبية الجاهلية أو يرى فيه عقدة أو خروجًا على الدين وتعاليمه ، وكأننا بدعًا من المجتمعات البشرية التي تتعصب لقومياتها وتحدب على أوطانها .
   إنني أسمع كثيرين من أنصاف المتدينين يذكرون في هذا المجال حديث الرسول عليه الصلاة والسلام : أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟ دعوها فإنها منتنة ! ، ويغفلون أن المراد بهذه المقولة هو العصبية الظالمة القائمة على الاستعلاء والاعتداء ، ألسنا نحن الحضارمة ضحية هذه العصبية من غيرنا طوال سنين خلت ، ثم تبين روايات الحديث نفسه أن العصبية للانتصار للنفس وللصاحب المظلوم محمودة ، أليست عصبيتنا لحضرموت اليوم هي من جنس العصبية المحمودة كونها تنتصر من الظلم والانسحاق الواقع علينا أرضًا وإنسانًا وهوية .
   هل يتعارض الاتحاد والإخاء مع احترام الخصوصيات ، ألم يضرب مجتمع الصحابة أنفسهم المثل الأعلى في الجمع بين تلك الخصلتين اللتين لا تصلح المجتمعات الإنسانية بغيرها ، لقد تشكل مجتمع المدينة بين المهاجرين المكيين والأنصار اليثربيين فهل طغى أحدهما على الآخر ، ألم يكن الرسول المكي صلى الله عليه وسلم يأخذ الموافقة المسبقة والإذن من الأنصار في القرارات الحاسمة ، كما حدث في شن الحرب في بدر ، وكما حدث في أمر تسليم جزء من ثمار المدينة لإحدى القبائل المناوئة في موقعة الخندق ، وما شابه ذلك ، ما هذا ؟ أليس هو القائد الأعلى للدولة الإسلامية في المدينة ، أليسوا كلهم وحدة واحدة ؟ ، انظر إلى نبينا العظيم الذي دخل مكة فاتحًا منتصرًا كيف يراعي نفسية المجتمع المكي المتأثر بالروح الوثنية فيعرض عن هدم الكعبة مع علمه بالأخطاء التي ارتكبت في كيفية بنائها إبان العهد الوثني ، بينما كانت له حينئذ السلطة والسطوة في مكة ومع ذلك لم يستغلها ويضرب عرض الحائط بطبيعة المجتمعات وفعل الزمان في تشكيلها ، وقارن بما حدث ويحدث اليوم في حضرموت التي لا يرجى لمجتمعها وخصوصياته أي اعتبار ، حدث ولا حرج إلا أن تتحدث بالاعتراض فإنك حينئذ عصبي متعصب وضد الوحدة الإسلامية عند أنصاف المتدينين أو عند من صاروا مسخًا من أبناء جلدتك .
   لقد أثبت الحضارمة أنهم ولا فخر من أكثر الشعوب انفتاحًا على الآخرين هل هذا أمر يحتاج إلى إثبات ؟ وأكثرهم اندماجًا وتأثرًا مع غيرهم فهل هذا الشأن يحتاج إلى ضرب أمثلة ، وأشدهم في الوقت نفسه احترامًا للخصوصيات ، وأذكر هنا أن سفيرنا في مصر الأديب باكثير قد لاحظ خوف المصريين على خصوصيتهم الفرعونية من غلواء الدعوة للوحدة والقومية العربية ، فسارع وهو القومي العروبي بإعلان احترامه لخصوصيتهم تلك ، وعبر عن ذلك عمليًا بكتابة جزء من أدبه عن التاريخ الفرعوني لمصر كما هو ماثل في مسرحيتيه ( إخناتون ونفرتيتي ) و( الفلاح الفصيح ) .
   بل أثبت الحضارمة بأنهم من أكثر الناس تواضعًا وهضمًا لأنفسهم ، حتى إننا قد نجد كتابًا عربًا يردون على نظرائهم من الحضارم في الدفاع عن حضرموت والإشادة بأعلامها ، وسأضرب مثالاً واضحًا ، الحكم العام الذي أطلقه المؤرخ عبد الله السقاف بأن عامة الشعراء الحضرميين " ليسوا من المجيدين غالبًا " ، من ردّ عليه قوله هذا ، إنه الدكتور المصري المعروف شوقي ضيف حين قال بالنص :
   " لعل السيد السقاف بالغ في حكمه حين جعله عامًا ومما لا ريب فيه أن بين من ترجم لهم شعراء نابهين يمكن أن يعدوا في رتبة المجيدين " .
   الحضارمة ليس لديهم هواية أو مزاج الحديث عن الذات فضلاً عن تعظيمها ، وإنما دفعوا إلى هذا السلوك دفعًا ، دفعهم إليه من لم يفهم طبيعتهم واستغل حسن نيتهم وسلامة طويتهم ، من جيرانهم أو شركائهم في الوطن الذين أسلموا لهم كل شيء ولم يلقوا منهم إلا كل عنت وتنكر واستخفاف .
فإن لم نصرخ اليوم مع الصارخين فمتى ؟

الاثنين، 2 مايو 2011

كيف يتابع المصريون ( الثورة ) في اليمن

   قال لي صديقي وهو يحادثني لقد صرت أتجنب الشراء من جاري المصري البقال وأتجاوزه إلى آخر أبعد ، لماذا ، سألته ، فقال لإلحاحه علي وهو يعرف أنني يمني بالسؤال متى سيرحل ( الريس بتاعكم ) ، حتى ظننت أنه سيرثه في سدة الحكم ، ولأن ( الريس بتاعنا ) طولها زيادة ، فقد مللت من الاثنين ، تناحة رئيسنا اليمني ولحاحة جاري المصري .
   ولقد ضحكت من أعماقي لقوله ، لا لأنه مضحك في حد ذاته ، لكن لأنه عبر عن حالة الملل والحرج التي أحسها أنا بدوري من جيراني ، بل ومن كل من يعرفك من هيئتك أو لهجتك أنك من يمن الإيمان والحكمة ، جميع فئات الشعب المصري تسأل ، البقال في دكانه ، والبواب تحت العمارة ، والقهوجي في قهوته ، والسواق في عربيته ، والطبيب في عيادته ، والأستاذ في الجامعة ، الكل يسأل : ( الريس بتاعكم مشي ولا لسه ، وامته حيمشي ) ، ( مين هيسبق التاني .. بتاع ليبيا ولا بتاعكم ) ، ( أنتو ليه لحد دلوأتي مش آدرين عليه ) ، ( إنته مع مين .. مع الثورة ولا مع النظام ) وهكذا تطاردك الأسئلة عَ الرايحة والجاية وتلزمك بأن تكون مراسلاً متجولاً ومحللاً سياسيًا في الوقت نفسه .
   ولطول الفترة وتكرار الأحداث وانشغالاتي الخاصة صرت شخصيًا زاهدًا في سماع الأخبار ، ولاسيما ما تعلق منها باليمن وليبيا التي تتراوح الأخبار عنها في محلها ، حتى إنك تستطيع أن تتنبأ بها قبل سماعها ، ولكن هيهات مع الآذان الجائعة ، والأسئلة التي تطاردك وما تشمله من إشاعات يتفنن المصريون في اصطناعها فيسألونك عن حقيقتها ، ومن ثم تعود مضطرًا لسماع الأخبار ولو موجزها حتى لا يصبح منظرك بايخًا أمام طابور المتسائلين من إخواننا المصريين المصرين على أن يستمعوا منك شخصيًا عن كل شاردة وواردة ، وكأنهم حين يرونك تقبل عليهم إنما جئت من إحدى ساحات المعتصمين ، أو انصرفت توًا من اجتماع مع الرئيس أفضى إليك فيه بخططه الزمنية للرحيل .
   ولعل هؤلاء المصريين معذورين في إلحاحهم ومتابعتهم الجادة جدًا لوضع الثورات العربية في اليمن وغيرها فهم ما زالوا يشعرون بزهو الانتصار بإسقاطهم لرئيس الرؤساء ، ويتلذذون بنشوة المطاردات والمحاكمات والسجون التي مدت قضبانها على من كانوا يرونهم إلى ما قبل أيام قليلة كاتمين على أنفاسهم ، ويقبلون على الصحف المصرية المكتظة بتفاصيل الفضائح في كل شئون أولئك أثناء توليهم للمسئولية حتى وصلت إلى أحوالهم الشخصية والأسرية ، وكأنهم يتمنون لسائر إخوانهم العرب أن يتنعموا بما هم فيه من زهو وتشفٍّ من حكامهم الذين كانوا بالأمس يرونهم يخضعون دون تردد لرئيسهم الذي تمكنوا في فترة قياسية من إسقاطه وإذلاله .

الثلاثاء، 26 أبريل 2011

رؤية عن الوطن وقضاياه العادلة .. تغيير النظام وتصحيح الهوية

1
   لقد سقط النظام الرفاقي في الجنوب بعد ثورة شعبية بدأت بحركة طلابية وشبابية سنة 1989 مواكبة لسقوط الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية التي نال جبابرتها جزاءهم الرادع ، وبينما كان الشعب في الجنوب ينقض على نظام جلاديه إذا بالوحدة المستعجلة تنتشله من بين براثنه ، ويتم رفع شعار ( الوحدة تجب ما قبلها ) ، لإنقاذه من المحاسبة على إهدار الدماء والأموال في ربع قرن من الحكم الغاشم .
   وليس صحيحًا أن النظام الرفاقي إنما سقط في صيف 94 ، وليس صحيحًا أن المنتصر كان هو جيش حكومة صنعاء ومليشياتها الإصلاحية ، بل المنتصر هو الإرادة الشعبية في الجنوب التي لم تكن قد شفت غليلها بعد من جلاديها ، ولولا تلك الإرادة ما كان لتلك المليشيات أن تدخل شبرًا واحدًا من أراضي الجنوب ، هذه حقيقة مهمة كثيرون من يغفل عنها ويجب أن يضعها الجميع من جنوبيين وشماليين نصب أعينهم ، حتى يعلم كل منا حجمه الحقيقي فيما حدث .
   إن عدم وضوح هذه الحقيقة هو الذي جعل الطرف الذي ظن نفسه منتصرًا يستعلي على الجنوب والجنوبيين ، وقد برز في تلك الفترة الإصلاحيون الذين صبغوا على الحدث صفة مقدسة وطفقوا يبشروننا بجنة عرضها الشمال والجنوب إذا ما تم دحر المرتدين والانفصاليين لصالح فرسان الشرعية الدستورية ، ثم اتضح بعد أن وضعت الحرب أوزارها أن تلك الجنة لم تكن سوى الجنوب وحده الذي تقاسم الجميع كعكعته ، وصرنا نحن في نظرهم مجرد سبايا يجب أن تقنع بالفتات مما يمن به ساداتنا الجدد وتجديد الوفاء لهم والطاعة على الدوام .
   وقد تنبه الجنوبيون مبكرًا لتلك الخديعة من قبل نظام صنعاء وجناحه الديني والقبلي ، وكانت حضرموت سباقة في الرفض والتأبي ، منذ صيف سنة 1996 فيما سمي مظاهرات ( الضوراني ) ، ومن حينها والجنوب يغلي ، ويحاول النظام تهدأته أو تجاهل قضيته مع أذنابه من بقايا النظام الرفاقي وبعض المغترين بجناحه الديني حتى وصل الأمر ذروته في صيف 2007 ، حينما بلغ الغليان شعبي أقصى مداه ، إلا أنه للأسف حرم من القيادة التي تقوده إلى الوجهة السليمة للانتصار لمطالبه ، ومن ثم وقع في دوامة الموتورين من الرفاقيين ومن لحق بهم ، حتى أصابه الشلل وفقد ما كان له من حيوية وتعاطف شعبي عام .
2
   وتنتقل الثورة من الجنوب إلى الشمال ، وينقم الشماليون فجأة على نظامهم بتأثير ما يعتمل في المحيط العربي ، ويسارع رأس النظام بالإعلان عن تغيير سلوكه ويقدم المبادرات تلو المبادرات بكل سخاء ، وتضيع كلها في ضجيج الثورة المنادية برحيله ثم المطالبة بمحاكمته ، ولم نر هنا من يرفع شعار ( الثورة تجب ما قبلها ) ، بل تعالت الأصوات الانتقامية للدماء التي سيلت في بعض الساحات ، ولم تكن الدماء التي تسيل إبان الحراك الشعبي في الجنوب تحرك ساكنًا ، بل قد نسيت سيول من الدماء أهدرت من قبل تحت شعار ( الوحدة تجب ما قبلها ) ، وكأن هناك دماء غير الدماء فهناك دماء ساكني الأصل ودماء ساكني الفرع وهما لا يستويان مثلاً .
   ويبدو هنا الحلف الإصلاكي آمنًا مطمئنًا من مطاردة المحاكمات حيث يرى الرئيس ونظامه يبحثون عن مخرج قانوني يؤمنهم من المحاكمات ، وينسى أولئك أن المحاكمات المزمعة قد تطالهم إن لم يعملوا هم أيضًا على تأمين أنفسهم ، أو هكذا أظن ، أليسوا هم جزءًا من هذا النظام الذي تتم الدعوة إلى إسقاطه ومحاكمته ، أم أن الثورة الجديدة ستكيل بمكيالين ، لقد طالت المحاكمات في مصر جميع من كان في النظام سابقًا ولاحقًا من المسئولين أو من كان منتفعًا من سلطتهم بشكل أو بآخر ، فلماذا يبدو هؤلاء مطمئنين ؟
   إن التغيير ينبغي أن يأتي لا لاستهداف شخصيات بعينها أو لنصب المشانق وإقامة محاكم التفتيش ، بل لأنه ضرورة يقتضيها سير الحياة وتعاقب الأجيال ، ولنمو الوعي لدى طبقة الشباب المتأثر بعمق بما يدور حوله في العالم العربي وغير العربي من تطورات وتحولات ولاسيما في وجود الإنترنت والفضائيات ، فضلاً عن تنامي روح التدين في أوساطهم وهي التي ترفض الفساد بكافة مظاهره والظلم بجميع أشكاله سواء في الجنوب أو في الشمال ، تلك هي رؤية ثورة التغيير ، وأي روح انتقامية أو شخصانية ستكون دخيلة عليها وقد تؤدي إلى إفشالها .
3
   حلحلة الهوية الوطنية بحيث تسع كل المكونات في الساحة الوطنية وبكافة أطيافها يجب أن يكون مطلبًا ظاهرًا وبارزًا من مطالب الثورة القائمة ، وهذه النقطة هي التي سترضينا نحن الحضارم وكذلك الجنوبيين والحوثيين ، وإذا كان الحوثيون قد امتلكوا السلاح الناري ، والجنوبيون قد حصلوا على السلاح الإعلامي وعلى ساحات تمثلهم ، فيبقى الحضارمة هم الحلقة الأضعف .
   ومع ذلك فإننا نستمد قوة مطالبنا إلى حال أفضل بعمق انتمائنا وعطائنا الحضاري وبسعة أرضنا وغناها وتنوعها ، وبوفرة جالياتنا في العالم العربي والإسلامي ، وإذا كنا نشكو غفلة بعض كبار ساستنا المخضرمين عن الاعتراف بمطالبنا وطموحاتنا الخاصة والمشروعة والجهر بها ، فإننا لا نعدم كثيرًا من الرجال النابهين الذين بدأوا يطرحون تلك الطموحات بقوة سواء من بعض السياسيين الناشئين أو بعض رجال العلم والثقافة والمال والقبيلة ، وهؤلاء يجب أن يؤازروا من قبل الشباب في الساحات .
   وليس صحيحًا ما يروجه أو يظنه البعض من أن رفع مطالبنا وطموحاتنا يؤثر سلبًا على القضايا الأخرى كالتغيير أو الحراك بل العكس هو الصحيح ، فهذا الشأن ينبغي أن يكون من جملة مطالب الثورة تحت بند تصحيح الهوية التي ينبغي أن تكون أولى متطلبات ثورة التغيير حتى تكون ثورة عادلة تجسد نبض كل الشارع الوطني غربًا وشرقًا ، وبدون ذلك تكون ثورة منقوصة وحراكًا إلى المجهول .
دعاء
اللهم غير أحوالنا إلى حال بديل ، واهد ساحاتنا إلى سواء السبيل .

الأحد، 24 أبريل 2011

على هامش فعالية مركز ابن عبيد الله : كيف نحافظ على هويتنا ونرسخها على ضوء التجربة المصرية

   أثبت الأستاذ محمد حسن بن عبيد الله السقاف كيف يمكن للمثقف أن يكون حاضرًا في هموم أمته ويبذل لها ، من غير ملال وبكل تجرد ، النفيس من وقته وجهده وفكره ، فعبر إدارته لمركز ابن عبيد الله الأهلي نجده ومنذ فترة مبكرة يجتهد في إثارة قضايا حضرموت الحيوية في مختلف مجالاتها ، ليضعها في دائرة الاهتمام ويسلط عليها أضواء البحث والتحقيق والنقاش ، ويستقطب لذلك كبار الباحثين وناشئيهم على السواء ، تكريمًا للأولين وللاستفادة من خبراتهم ورسوخهم العلمي ، وتشجيعًا للآخرين والاستفادة من حماسهم ومثابرتهم العلمية ، وكل ذلك بجهود نابعة من الذات غير مرتبطة بأي جهة كانت بأي نوع من أنواع الارتباط .
   ومن وحي فعالية المركز الأخيرة التي التقت فيها سيئون عاصمة الوادي وأحقافه بالقاهرة عاصمة النيل وضفافه ، والتي كرست لمناقشة قضية الهوية الحضرمية وكيفية الحفاظ عليها وترسيخها ، فإننا لا نرى غضاضة في الاستفادة من التجربة المصرية في تأصيل الهوية الوطنية لاسيما أن المصريين من أكثر الشعوب العربية اعتزازًا بهويتهم القومية ووحدتهم الوطنية .
   والحقيقة الواضحة هنا أن المصريين لم يدخروا جهدًا أو حيلة لإبراز هويتهم وتجذيرها في نفوس الأجيال المتعاقبة ، سواء على المستوى الثقافي أو الفني أو الشعبي ، وهذه الروح المعتزة بالذات موجودة فينا نحن الحضارم كفطرة إنسانية ، ولا تحتاج إلا إلى تأصيلها وتطويرها لاسيما بعد سنوات طويلة من الاغتراب النفسي الذي فرض على علينا من خارجنا ، ولم تتقبله أصالتنا واستعصت عليه طبيعتنا .
   فمن ذلك المحافظة على الموروث الشعبي العام وزيارة سريعة منك لخان الخليلي بمصر وما حوله من حواري تنقلك توًا إلى زمان غير الزمان لما تراه من معمار للبيوت والمساجد وتصميم لواجهات المحلات ولما تشاهده من معروضات أثرية توقن أن أحدًا لم يعد يحتاج لاستعمالها ، ومع ذلك تعرض لا في المتاحف بل في الأسواق العامة إما ليشتريها هواة جمع الآثار القديمة أو للعرض والزينة اتساقًا مع المشهد العام الذي تجتمع فيه كل عصور مصر الفرعونية والإسلامية .
   وهناك الفرق الفنية التراثية التي تمثل التراث الفني المصري بمختلف أشكاله ، الديني والنوبي والسيناوي وما شابه ذلك ، ولكل فرقة قصر من القصور التراثية التي تعرض فيه بضاعتها الفنية في أيام مخصوصة من الشهر ، وتستقبل روادها من السائحين المصريين أو العرب أو الأجانب لتمتعهم بعروضها التراثية ، وبأسعار رمزية أو بالمجان اكتفاء بدعم الدولة لها .
   وهناك أسماء الشوارع في كل حي من أحياء القاهرة والمدن الأخرى فلا ترى شارعًا ولا زقاقًا لا يحمل اسمًا لأحد أعلام مصر سواء كان مشهورًا أو مغمورًا ، ويستوي في ذلك كل من أفاد مصر بفائدة وفي أي مجال كان ، فترى منهم الشهيد والمناضل والعالم والأديب وأستاذ الجامعة ونوابغ المهن الأخرى من سياسيين وأطباء ومحامين ومهندسين وصحافيين وممثلين وغيرهم ، فكل من أفاد بلاده يذكر بوضع اسمه على شارع أو زقاق بحسب حجم ودور العلم الفقيد . وهناك طبعًا أسماء المدارس والهيئات الثقافية الأخرى ، وتشمل تلك التسميات أيضًا الرموز التاريخية للأعلام والمواضع التي شهدت أحداث ذات بال في التاريخ المصري .
   وهناك المتاحف المتعددة والمتنوعة للتاريخ المصري العام أو المتخصصة في مجالات بعينها كالمتحف العسكري أو الزراعي أو البحري ، أو تقام لبعض الشخصيات الكبيرة ذات التأثير في التاريخ المصري السياسي أو الاجتماعي أو الأدبي ، وقد تقام في بيوتهم بعد شرائها من قبل الدولة أو في مواضع أخرى تابعة لبعض الهيئات الثقافية ، ولا ننسى هنا إقامة القرى التراثية السياحية الدائمة .
   هذا فضلاً عن التنويه بتاريخ مصر وأعلامها في مقررات التعليم الرسمي ومناهج الجامعات ، ولن نستطيع أن نحصي ذكر عشرات الندوات التي تقام يوميًا في المراكز الثقافية والنوادي الشبابية إضافة للمراكز التخصصية لبعض القضايا الحيوية لمناقشة زواياها وتطوراتها ، أو لكبار أعلام مصر للتعريف بعطائهم وجهودهم في المجالات التي برزوا فيها فكرًا وإبداعًا .
   ولا شك أن حضرموت لم تأخذ حظها من تلك الوسائل إلا أقل القليل مع أنها تحفل بتراث هائل في كل الأطياف سواء ما كان منها يعود إلى تاريخها العريق وتاريخ أعلامها وعطاءات مهاجريها ، أو في الجوانب الاجتماعية من تراث ديني وبحري وشعبي ، وكل ذلك لا نراه غالبًا إلا مسطورًا في الكتب مختبئ بين أوراقها التي لم ولن تسلم من عاديات الزمن ، حتى ما هو موجود من وسائل عرض قليلة فهو معرض للإهمال والتآكل ، وبعض منها تهمل أو يهون من قيمتها وفاعليتها بقصد ودون قصد ، فدعوة أوجهها عبر مركز ابن عبيد الله للاستفادة من الخبرات العملية المصرية للحفاظ على الذات وإنقاذ الهوية قبل أن نهوي على رءوسنا في مجاهل النسيان ، وهذا ما لن يحدث أبدًا إن شاء الله تعالى مع وجود أشخاص محبين وغيورين يرتجي منهم موطنهم كل خير له ولأبنائه حيثما كانوا .
مداخلة :
   عصام شرف رئيس حكومة ما بعد الثورة المصرية وفي ذكرى تحرير منطقة سيناء أعلن اعتذاره وعبر عن أسفه لأبناء سيناء على ما نالهم من إهمال وتهميش أيام حقبة مبارك غير المباركة ، فهل سنشهد رئيس حكومتنا القادم أيًا كان وهو يعتذر لأبناء حضرموت عن ما نالهم من إهمال ولاسيما في العهد الجنوبي ومن تهميش ولاسيما في العهد الشمالي ، هل نتوقع ذلك ؟

الثلاثاء، 19 أبريل 2011

أصالة المغترب الحضرمي

   كثيرون هم أدباؤنا الذين نشأوا على أرض حضرموت وبرزوا فيها ثم تلقفتهم أيدي الاغتراب ليواصلوا نبوغهم وتألقهم في مواطن اغترابهم ، ومن هؤلاء قديمًا امرؤ القيس الكندي ، ومنهم في عصرنا هذا علي أحمد باكثير .
   إن هناك أمورًا جمة مشتركة تجمع بين هذين الأديبين الحضرميين الكبيرين ، فمنها انتماؤهما إلى قبيلة واحدة هي قبيلة كندة التي يصفها المؤرخون بأنها أول قبيلة عربية حاولت جمع العرب في كيان سياسي واحد .
   وكلاهما عاش ربيع حياته في وادي حضرموت ، ثم اضطره فقد عزيز للهجرة ، فامرؤ القيس فقد أباه فارتحل لبناء مجده السياسي ، وباكثير فقد زوجته فارتحل لبناء مجده الأدبي ، ومع ذلك كان كلاهما مشدودة روحه إلى وطنه الأول وانعكس ذلك في أعمالهما الأدبية .
   كما جمع بينهما الإبداع الشعري والابتكار في فنونه بشهادة نقاد الأدب ، فعن الأول ذكروا أمورًا ابتكرها منها أنه أول من وقف واستوقف على الأطلال وبكى واستبكى ، وسبق إلى صور شعرية بديعة ولاسيما في وصف رحلاته المبكرة للصيد على ظهر حصانه ، وفي هذا الإطار يقول المؤرخ الأديب سعيد عوض باوزير :
   " إن شعر امرئ القيس الكندي أصدق وأوضح صورة للمستوى الرفيع الذي وصل إليه الأدب في حضرموت " .
   كما شهد نقاد الأدب لباكثير بإبداعات سبق غيره إليها منها أنه أول من ابتكر النظام الوزني الجديد للشعر العربي بما سمي بشعر التفعيلة أو الشعر الحر ، ومنها أنه أول من رسخ نثرية فن المسرحية وكتب المسرحية التسجيلية ، وغير ذلك مما يعلمه المهتمون بأدب باكثير والأدب العربي الحديث .
   وفوق ذلك نراهما مع اغترابهما الطويل عن موطنهما الحضرمي لم يغفلا عن روحهما الحضرمية التي تجلت في أعمالهما الأدبية التي تشهد لمن يقرأها بأصالة انتمائهما الوطني لأرضهما وقومهما ، ومن ذلك استعمالهما مفردات وتراكيب فصيحة من اللهجة الحضرمية .
   فإذا تأملت مثلاً معلقة امرئ القيس فلن تشك في حضرمية قائلها ، إذ ستلفت نظرك وسيقرع سمعك كلمات مثل ( غدوة ، مساويك ، السليط [ الزيت ] ، الكثيب ، الحنظل ، المداك ، ناقف ، بعر ، بعير ، الوليد [ بمعنى الصبي أو الغلام ] ، عروس ، حناء ، درع [ لباس للمرأة المسنة ] ، منارة ، فتيت ، حطه السيل ، يكب ، خيط موصل ) وغيرها .
   إضافة إلى بعض الاستعمالات اللغوية المعروفة في اللهجة الحضرمية كاستعمال مفردة ( يوم ) بمعنى حينما كقوله :
           ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة     فقالت لك الويلات إنك مرجل
واستعمال الفعل ( تقول ) بقصد التشبيه والوصف كما في بعض قصائده خارج المعلقة كقوله في وصف حصانه :
                 كالسِّيْد ما استقبلته وإذا     ولى (تقول) ململم ضرب
   والأمر نفسه نلاحظه عند باكثير في إيثار المفردة أو التركيب الأقرب للهجته الحضرمية في بعض كتاباته ، نضرب مثالاً بمقاطع من مسرحيته ( دار لقمان ) :
   ( يُسمع دق شديد على السدة الخارجية )
   وهو تعبير قريب من لهجته الحضرمية وقد اختار لفظتي ( دق ) و( السدة ) على لفظتي ( طرق وبوابة أو عتبة ) مثلاً .
   ( تعود ناعسة ببقجة فتعطيها لأحمد فيفتحها أحمد ليرى ما بها ثم يعيد عصبها )
   نجد فيها روح اللهجة الحضرمية ولاسيما في استعماله لمفردة ( بقجة ) التي ينطقها الحضارمة ( بقشة ) – وأصل الكلمة فارسي بمعنى صرة الثياب - ، ومثله الفعل ( عصب ) المتداول في لهجتنا ويترفع عنه اليوم كتابنا مفضلين بدلاً عنه الفعل ( ربط ) المعتاد في الكتابات المتأخرة .
   ومثال آخر في قول السلطانة ( شجر الدر ) وهي توبخ مساعديها على تلاومهم وتجادلهم أمامها : ( تتناقرون أمامي كالديكة ) ، وهو تعبير معروف وسائد في تلك الحالة لدى الحضارمة .
   ولعل باكثير كان مدركًا لحالات التشابه المتعددة بينه وبين جده امرئ القيس لذا نراه يقول من قصيدة له :
      إذا لـم أقلـها فذة عبقـرية          فلست لميراث امرئ القيس حاويا
   وكل ما ذكر يؤكد قوة الرابطة الحضرمية بين الإنسان الحضرمي وقومه وأرضه ومحافظته على صدق انتمائه إليها ووفائه لها على مدى التاريخ .

أبيات لشاعر حضرمي مغترب :

متى يا حضرموت أراك يوماً        وقد أصبحت للآســـــاد غابا
متى يا حضرموت أراك يوماً        بنيت على مصـــانعك القبابا
متى يا حضرموت أراك يوماً        وفيك العلم قد أضــحى عبابا
نسير إلى اقتناص المجد صفاً        ولو زرع الطريق لنا حـرابا

الأحد، 17 أبريل 2011

تاريخنا من الإرشيف المصري : وفد من جامعة القاهرة يزور جمعية الأخوة والمعاونة بتريم

   تشرفت جمعية الأخوة والمعاونة بمدينة تريم بزيارة وفد من جامعة القاهرة في أواخر العام 1936 ، وكانت حينها تحمل اسم ( الجامعة المصرية ) ، وقد استقبل الوفد المصري المكون من عدد من أساتذة الجامعة من حملة الدكتوراة بحفاوة بالغة من قبل القائمين على إدارة الجمعية وبعض من أعيان تريم .
   وأقيمت لهم مأدبة على هامش حفل تكريمي ألقيت فيه كلمات عن العلاقة التاريخية بين حضرموت ومصر ، وعن ريادة مصر السياسية والعلمية ، وألقيت القصائد الشعرية المرحبة بالوفد المصري الذي ألقى رئيسه كلمة شكر نيابة عن نفسه وزملائه لما حظوا به من تكريم وحفاوة .
   وقد اطلع الوفد على تجربة الجمعية النهضوية في الجانب الاجتماعي والجانب التعليمي ، ثم قاموا بجولة سياحية لبعض معالم وادي حضرموت ومن بينها بئر برهوت العجيبة .
   وتعد جمعية الأخوة والمعاونة التي تأسست في نهاية العشرينيات من القرن المنصرم من أكبر المؤسسات الأهلية التي أنشئت في حضرموت ، وأولت عناية كبيرة بالتعليم فأنشأت عددًا من المدارس للبنين والبنات ، وأرسلت عددًا من البعثات العلمية إلى مصر وغيرها من البلدان العربية الناهضة ، كما أذكت المجال الثقافي حين أصدرت مجلة شهرية حملت اسم ( الإخاء ) ، كما كان لها كثير من الأنشطة الثقافية والاجتماعية والخيرية .
   وقد حظيت هذه الجمعية التي حملت على عاتقها مشروعًا نهضويًا مبكرًا لحضرموت بعناية الصحافة المصرية التي دأبت على التعريف بها وبدورها الإيقاظي ، وحرصت على تغطية العديد من أنشطة الجمعية المتنوعة وأخبارها ومن بينها خبر زيارة ذلك الوفد الجامعي لأساتذة الجامعة المصرية .

الهوية الحضرمية والجهوية اليمنية

   لئن اعترفنا نحن الحضارمة باندراج أرضنا ضمن المفهوم الواسع لليمن الذي يشمل جغرافيًا معظم جنوب جزيرة العرب ، فإننا لا ينبغي أن نتناسى أن لليمن عند الآخرين مفهومهم المناطقي الجهوي جنوبًا أو شمالاً ، ومن ثم فإن بقاءنا مستقبلاً سياسيًا ضمن مفهوم اليمن يجب أن يحدده مدى سعة أفق جيراننا في الجهتين في الأخذ بهوية جديدة جامعة تعتمد على التنوع واحترام الخصوصيات بين كل أقاليم اليمن ومن بينها حضرموت .
   فمنذ اندماجنا تحت مسمى اليمن بجهته الجنوبية ثم بجهته الشمالية ونحن في غبن من كلا الجهتين على السواء ، وليس صحيحًا أن تجاهل هويتنا وتاريخنا كحضارم قد نشأ بعد عام تسعين بل إنما هو تكريس لما كان هو حاصل أصلاً منذ 67 ، وهو ما لاحظه بعض كبار مثقفينا ممن رحلوا عن دنيانا قبل قيام الوحدة بين الجهتين ، فمثلاً تجاهل تاريخنا وأعلامنا في مقررات التعليم شكا منه الأستاذ محمد بن صافي السقاف (ت1989) حين قال في نهاية السبعينيات :
   " أرى مقررات المدارس الابتدائية والثانوية ولا أرى من يذكر نصاً لأدبائنا وشعرائنا من أمثال شاعرنا ابن عبيد الله والحامد والشاطري والبار وباكثير وابن شهاب من هذه النصوص المليئة بها دواوينهم أو صحفنا ومجلاتنا القديمة كأن البلاد منها جرداء مقفرة " .
   ذلك لأنهم لم يعترفوا بهذه الصحف والمجلات أصلاً لأنها ببساطة حضرمية وليست جنوبية بشهادة أحد سكان الجهة الجنوبية وهو الأستاذ عمر الجاوي الذي لاحظ غياب ذكرها في مؤتمر عقد في عدن عن الصحافة المحلية ، فقال :
   " إذا كانت الدراسة تعني بالمحلية جنوب الوطن فلماذا تجاهلت الصحف والمجلات التي صدرت في حضرموت أو التي أصدرها الحضارمة في إندونيسيا وغيرها " .
   إنها الهوية التي كان يفاخر بها الحضارمة قبل نكسة 67 بحضارة عاد وإرم وبلاد الأحقاف واللبان ، ثم استبدلنا بها حضارة سبأ ومأرب التي باتت أساطيرها تتلى علينا بكرة وأصيلاً ، وأبدلونا عن الأحقاف بجنتين تنبت البن والقات بديلاً عن اللبان والبخور ، وإذا نظرت إلى الشعار الجهوي فلن ترى فيه غير سد مأرب وثمرة البن .
   كل ما في الأمر أن أصحاب الجهة الجنوبية قد أصابتهم لعنة الحضارمة فشربوا معنا بعد 90 من ذات الكأس الذي سقونا منها من قبل ، إلا إن هؤلاء كانوا أكثر تمردًا وجرأة منا فجأروا بقضيتهم الجنوبية وفتشوا عن هويتهم القديمة تحت مسمى ( الجنوب العربي ) ومن ثم نادوا ( وبكل وقاحة ) ودون أي مراعاة لأي جهة كانت بالاستقلال وفك الارتباط .
   أما نحن الحضارم فمتواضعون جدًا ومأدبون للغاية ونحس بالآخرين ولا نريد أن نجرح شعور أحد ، ونخجل أن نظهر هويتنا المستقلة رغم تجذرها وأصالتها ، فما أن أعلنا عن مطالبنا حتى قمنا مراعاة للآخرين في الجهتين بصياغة عبارة ( تطمين ) فيما عرف بإعلان حضرموت فقلنا وبكل أدب وتواضع ( لا رغبة لنا في إقامة دولة مستقلة خاصة بنا ، وعليه فإننا لا نشكل تهديدًا لأحد ) ، وأنا لا أدري منذ متى أصبح الحضارمة مصدر تهديد لجيراننا ، سواء قبل انضمامنا معهم أو بعدها ، وما الذي تركناه لإخواننا الحوثيين ليقولوه وهم الذين يمتلكون كل أنواع الأسلحة الفتاكة والدكاكة ، وما الذي تركناه للجنوبيين وهم الذين ملأوا الفضاء بطلب الاستقلال ، أم إننا نطمئن الذين هم حريصون على ضم حضرموت أرضًا فقط لأجل سواد نفطنا لا غير ، حيث لا نفط لا مع الجنوبي ولا مع الحوثي !!
   إنني لم أعد أدري من هو المتضرر من الآخر أنحن الحضارمة أم إخواننا في الجهتين ، وكل ما أعرفه حتى الآن أننا بهذه العبارة القصيرة نصادر سنين طويلة رزحنا خلالها تحت نير الجهتين ، ونحتاج منهم هم لبيان اطمئنان لنا لمستقبلنا الذي يجب أن نصيغه وحدنا دون تدخل أو وصاية منهم وتحت أي مبرر ، فهل سيتركوننا نفعل ذلك ثقة برسالة الطمأنة .
   بل نحتاج منهما معًا لاعتذار لنا إن لم أقل تعويضات عما خسرته حضرموت وأبناؤها بسبب القبضة الحديدية التي حكمت بها من كلا الجهتين تحت تخبطات السياسة الرفاقية الجنوبية ووساوس العقدة الشمالية .
   أقول أخيرًا إن مجلسنا الأهلي اليوم قد أصبح في مرحلة متقدمة سبق فيها السلطة المحلية من حيث شرعيته وشعبيته ، ومن ثم فإننا تحتاج منه ومن نظرائه خطابًا أقوى وأدق وأشمل لطموحاتنا ، أما إخواننا في سائر اليمن فنقول لهم بكل أدب واحترام : إن أردتمونا فأخرجوا أنفسكم أولاً من ضيق الجهوية إلى سعة الهوية ، أو .. ( كل حي يروح لحاله ) و( كل واحد يشوف مصلحته أحسن ) .

الجمعة، 8 أبريل 2011

الثورة المصرية تنفخ روحًا جديدة في المصريين

   يشعر المصريون منذ تنحي مبارك بانتشاء لا يمكن وصفه إذ تمكنوا بجمعهم ووقفتهم العنيدة من تحطيم أصنام السياسة الذين كانوا يرتعبون بمجرد ذكر أسمائهم على اللسان ، وإذا بهم يتساقطون في مهاوى الإقالات والمحاكمات والإقامات الجبرية ، وانكشاف ملفاتهم السوداء ، لتدب على وقع تلك العجائب روح جديدة مختلفة في كل مصري .
   ولم يكتف المصريون برحيل الساسة التقليديين ، بل صاروا يتلفتون حولهم لاقتناص كل مسئول أو مدير وانتزاعه من موقعه ، لا ينتظرون قرارات من أعلى بالعزل ، كيف ذلك وهم قد عزلوا علية القوم أنفسهم ، أفنعجز عن من هم دونهم ، وما السبيل إلى ذلك ، وهل من سبيل غيره ، إنه الاعتصام والوقفات الاحتجاجية ، وانتشرت الاعتصامات والوقفات وعلت الهتافات حتى لم يكد يخل موضع من ضجيجها .
   ومن بينها جامعة القاهرة ، وفي الكلية التي أدرس بها رأيت سيناريو الثورة مصغرًا ، بوابة الكلية تزدحم بطلبة معتصمين تحف بهم يافطات المطالبة برحيل عميد الكلية وإدارته التي يرونها فاسدة ، وفي يوم تالٍ رأيتهم وقد اقتحموا بهو الكلية تتردد صيحاتهم في جنباتها ، وفي يوم يليه رأيت عجبًا ، عدد من الخيم عند البوابة ، ولا طلاب ، أين هم ؟ دخلت فسمعت هتافهم وإذا بجمعهم قد تكالب على باب مكتب العميد نفسه ، ولا أدري أهو بداخل مكتبه أو لا .
   وفي موضع آخر رأيت جمعًا من الموظفين قد تدافعوا على مدير لهم وهم يشنعون عليه بهتافاتهم ، وقفت أرصد المشهد العجيب ، وما هي إلا لحظات حتى أقبل رجال من الشرطة العسكرية من لابسي الطاقيات الحمراء ، فإذا بالموظفين المحتجين يهتفون ( الشعب والجيش إيد وحدة ) ، لينتشي على وقعها رجال العسكرية ، ويقتحمون مكتب المدير وطبعًا ما على المدير إلا أن يلملم أوراقه طوعًا للشعب كما فعل رئيسه من قبل .
   وفي طريقي إلى دار الكتب المصرية وأنا في ( الميكروباص ) رأيت تظاهرة عند مبنى التلفزيون ولا تحتاج طبعًا أن تقرأ لافتاتهم لتعرف أنهم يطلبون الإطاحة بإدارته ، فقد أصبح هذا المشهد مألوفًا ، ويثير جدلاً بين المصريين بين معجب به ومتبرم منه ، وكان الجدال محتدًا بين بعض الركاب وسمعت أحدهم يقول متهكمًا : ذه دلوأتي كل من زعلته مراته نزل يعمل اعتصام .
   بل إن المصريين يحاولون الآن أن يثوروا على حياتهم العامة فترى دعوات جمة مكتوبة تدعو إلى أن يسري التغيير ليطال السلوك العام نحو عالم المثل ، باحترام مواعيد العمل ، بصدق المعاملات ، بالمحافظة على المال العام ، بالوقوف ضد المسيء حيثما كان ، بالالتزام بإشارات المرور ، بالمحافظة على نظافة الشارع ، وهلم جرًا .
   لقد غيرت الثورة كثيرًا في سلوكيات المصريين الذين يشعرون شعورًا عنيفًا بملكيتهم للثورة الظافرة ، فترى الأعلام تباع في الميادين العامة وعند الإشارات المرورية ، ويباع معها شارات الثورة من فانيلات أو ملصقات عليها علم الدولة أو صور للشباب من الشهداء أو صور ساخرة لرموز النظام السابق ، وأبرز تلك الملصقات انتشارًا ملصق على شكل لوحة أرقام سيارات مقسوم إلى مستطيلين أعلاها مكتوب عليه مصر وأسفلها يتقاسمه خانة لرقم تاريخ الثورة ( 25 ) والخانة الأخرى لاسم شهر الثورة ( يناير ) ، ولا تكاد الآن ترى مركبة إلا وتضع ذلك الملصق شريكًا لرقمها المروري .
   لقد أصبح الشعب المصري يشعر الآن أن البلد بلده والدولة دولته ، وأصبح من المعتاد أن ترى في مواضع عديدة صورًا للعلم المصري وقد ملئ بالأسماء المصرية عربية وقبطية ومكتوب في وسطه ( كلنا مصر ) ، إنها لم تعد بلد الحكومة ، بل إن الحكومة بما فيها الجيش مجرد خادم مطيع للشعب الآمر الناهي الذي أصبح لسان حاله يقول قد أفلح اليوم من اعتصم واحتج وجلجل بصوته عاليًا .

الأحد، 3 أبريل 2011

هل نحن معنيون بطمأنة الآخرين

حضرموت لها مقومات دولة ، كلام دائمًا يصك آذاننا لا من إخواننا من الحضارم بل من الأطراف الأخرى ، ونعرف دائمًا ما مغزاه وأنه ليس من قبيل مدح حضرموت والاعتراف بحجمها بل هو من قبيل لمز ساكنيها بأنهم مناطقيون أو انفصاليون أو استقلاليون ، وهو قول بل عقيدة راسخة لدى تلك الأطراف تغذيه عقدة عنصرية من المتعذر معالجتها ، وعلى ضوء تلك العقيدة والعقدة لا تتعامل مع حضرموت بوصفها جزءًا من الوطن اليمني بل وصفها غنيمة منّ بها الدهر عليهم وليسوا مطمئنين لبقائها أو دوامها .
   ولذا فإن أي تحرك أو مبادرة عادية تصدر من العناصر الحضرمية أيًا كان شكلها أو طبيعتها تجعل العقدة العنصرية عند أولئك الأطراف تولول بشدة ، ولا يمكن إسكات تلك الولولة إلا بتحريف ذلك التحرك عن مساره أو إقحام فيه بعضًا من أفرادها لغرض إفساده بطريقة أو بأخرى ، فالحضرمي حين ينفرد وحده بمشروع على أرضه غير مؤتمن أو هو قاصر على الأقل يجب الوصاية عليه لضمان حسن سيره وسلوكه ، والشواهد على كل ذلك أكثر من أن تقال أو تذكر .
   ومن ثم فالحضرمي عند تلك الأطرف مذنب متهم مهما فعل أو قال إلا إذا انسلخ تمامًا من حضرميته أو أهان نفسه وقومه على رؤوس الأشهاد فربما ترفع عنه تلك التهم أو الوساوس على أن يبقى دائمًا تحت التحفظ والمراقبة ، ومن ثم مطلوب منه أن يصرح بمناسبة وبغيرها عن امتنانه ووفائه للأطراف ويعبر دائمًا عن حسن نواياه وصدق ولائه تجاه الوطن وأطرافه التي تتوجس منه خيفة يعرف هو أنها لن تشفى منها .
   والحقيقة التي لا مراء فيها أن تلك الأطراف هي من يجب عليها أن تعبر عن حسن نواياها نحو حضرموت وقاطنيها وتطلعاتهم ، بأقوالها وأفعالها ، لا نحن الحضارمة الذين لم يعد معنا شيئًا نخسره أو نخاف عليه فبلدنا مغتصبة ومنهوبة من حائها إلى تائها منذ ما يزيد على أربعين عامًا ، ومع ذلك يظن بعضنا أنه يجب علينا نحن أن نظهر حسن النوايا وولاءنا ، والسؤال هو لمن نظهره ولماذا وهل سيجدي ذلك نفعًا .
  يقول أستاذي باصرة في تصريحه " نطمئن الناس " ولم يظهر مراده بهؤلاء ( الناس ) ، إنه تعبير لم يستعمله حتى مالكي القنابل النووية ، إذا كان يقصد بالناس كل ساكني المعمورة الذين أقض مضجعهم أن تشكل حضرموت مجلسًا لها ، هل يقصد بهم الناس داخل حضرموت أو خارج حضرموت ، وهل نحن نحتاج لمن يطمئننا من مجلسنا ؟ لماذا لا نجرب مرة أن نجعل الأطراف تخاف مننا بل ترتعب ( حتى حق كذب ) وتعمل لتحركاتنا ألف حساب وحساب ، أليس ذلك أجدى لنا ، وقد جربنا عقودًا من الانبطاح الوطني الذي لم يزد الآخرين إلا عتوًا علينا واستخفافًا بنا ، إنه الانبطاح الذي نراه لأول مرة بصورة رسمية في مقولة ( من يحكم نحن معه ) ، بعد أن كان مجرد مقولات شعبية ساخرة نعرفها كلنا ، فهل هذه العبارة تمثل ضمير باصرة الشخصي أو تمثل حزبه أم إنها تمثل سياسة المجلس الأهلي وهذا أخطر ما يكون .
   رأينا باصرة يتحدث باسم المجلس ليقول بأن مهمته هي " لمساندة السلطة المحلية والأمنية في المحافظة عند حدوث أي اختلالات أمنية " ، فهل مهمة المجلس مقتصرة على هذا الشأن فقط ، وهل هذا هو رأي رئيسه ولجانه ؟ وهل هو لمساندة السلطة وحراستها أو لمساندة الأهالي وعلى أيهما هو حريص ؟ أليس هناك ضعف في التعبير وفي توصيل الرسالة لا يتناسب وما يمكن أن نتوقعه من شخص بموقع باصرة الذي هو نائب برلماني وزعيم أكبر أحزاب المعارضة بحضرموت ونائب الأهلي ، وهو يقول أيضًا أن المجلس "  ضمن السلطة " فهل هذا صحيح ؟ إذا كان من حق باصرة الذي يتحدث عن ( الشرعية الدستورية ) أن يتضاءل وينبطح في إطار حزبه المبني أصلاً على الانبطاح والتبعية المطلقة فإنه ليس له الحق أن ينقل ذلك العوار إلى مجلس حضرمي شعبي مستقل . أليس كذلك ؟
   أيها القوم نحن لسنا معنيين بطمأنة الآخرين ، بل العكس هو الصحيح ، حضرموت قدمت بسخاء كل ما لديها من خيراتها ومن كفاءات أبنائها ، وماذا بعد ، ماذا يريدون منا ؟ ماذا يريدون منا ؟ وما الذي قدمه لنا الآخرون ، هل كلما نبح كلب علينا أصغينا له أسماعنا وتعهدنا بإرضائه وإشباعه ولو على حساب كرمنا وشرفنا .
   إخواني في المجالس الأهلية واللجان الشعبية بحضرموت اعملوا ما شئتم وامضوا إلى أقصى ما تستطيعون وقوموا بما ترونه مناسبًا لوطنكم وأهليكم ، فستتحدث عنكم أعمالكم وسيحترمها ويحترمكم الآخرون أو من صلح منهم .

مع فروع الأحزاب بحضرموت

فجأة غابت أصوات فروع الأحزاب السياسية بحضرموت ولاسيما المعارضة منها ، وكأن ما يعتمل في حضرموت أمر لا يعنيها ، فقد عهدناها تتقن الصمت عند الحاجة مكتفية ببعض المواسم البروتوكولية لطرح رؤى فضفاضة أو بيانات مقتضبة لا تكاد تسمن ولا تغني ، ولا تعني غير ملء أدبياتها بمزيد من زخرف القول الذي لا يحق حقًا ولا يبطل باطلاً .
   نعم رأينا رموزًا لها متواجدة في بعض المجالس الأهلية المشكلة ، لكن هل هذا كاف بالنسبة لها ، أليست هي هيئات سياسية معترف بها ولها أطرها التنظيمية ولها أعضاؤها وقواعدها وأنصارها ، فأين دورها إذن في بلورة موقف سياسي واضح حول كل ما يدور في نطاقها الجغرافي ، موقف يساند تلك المجالس ويوفر لها غطاء سياسيًا يعزز أهدافها وأنشطتها .
   ينبغي لفروع الأحزاب السياسية بحضرموت سلطة ومعارضة أن تعلن موقفًا واضحًا وصريحًا من تطلعات أبناء حضرموت على ضوء المعطيات الجديدة في الواقع الوطني والمحلي ، وإيضاح المشروعية السياسية لتلك التطلعات وتعمل على بلورتها في رؤية سياسية طموحة تتبناها وتمدها بالبعد السياسي القانوني ، لتكون جزءًا من برامجها ومطالبها السياسية ، وقبل ذلك جزءًا من همها وهم أنصارها ، حتى نصبح في مرحلة نكون فيها فاعلين وضاغطين لا مفعولاً بنا أو متكرمًا علينا .
   كما ينبغي في إطار الاتجاه نحو الإقليمية أو الفيدرالية أن تبادر بالتنسيق مع فروع المحافظتين المجاورتين ، على الأقل حاليًا في مسعى للتعارف وتبادل الرؤى والأفكار استعدادًا للتهيئة العامة لمستقبل المنطقة الشرقية لليمن التي يجمعها ثقافة واحدة ونسيج اجتماعي موحد ومصالح مشتركة ومتكاملة .
   أحب أن تكون تلك الفروع مقدرة في فعلها وحركتها لا في أقوالها لحجم حضرموت ومكانتها وطموح أهاليها بحيث نجدها مبادرة وسباقة لوضع الرؤى والخطط العملية للرقي بالوضع الحضرمي والدفع به ، أليس يفترض أنها تضم النخب السياسية الواعية لهذه البلدة الطيبة المغلوب على أمرها ، وأكره أن تكتفي بالتقوقع داخل أطرها تنتظر موسمًا للخطابات أو تترقب موجات لتركبها ، أو تتسمع لما يصدر عن مراكزها التي لا تستطيع ولن تستطيع أن تتفهم طموحات إنسان حضرموت .
   مرة أخرى لا أدري إذا كان هؤلاء سيقومون بدور المتفرج على المسرح السياسي الحضرمي ، فمن ننتظره أن يكون ممثلاً أو لاعبًا فيه ؟

الأربعاء، 30 مارس 2011

تاريخنا من الإرشيف المصري ( صحيفة الرشديات )


   اعتنت كثير من الصحف والمجلات المصرية بما تنتجه المحابر الحضرمية من كتابات كثير من الأدباء والكتاب الحضارمة ، إضافة إلى نشر أخبار بعض ما كان يعتمل في حضرموت أو في مهاجر أبنائها ، ومن بين تلك الصحف المصرية ذات العناية الكبيرة بالشأن الحضرمي صحيفة مستقلة حملت اسم ( الرشديات ) التي ابتدأ صدورها منذ سنة 1913 .
   سميت هذه الصحيفة باسم مالكها الأستاذ زكريا أحمد رشدي الذي رأس تحريرها ، وكانت تصدر من مدينة الإسكندرية ، وكانت تربط صاحبها علاقة حميمية بالمؤرخ والأديب الحضرمي عبد الله محمد بن حامد السقاف ، فكان ذلك سر اهتماماته بالنتاجات الحضرمية وقد نشر كثيرًا من كتابات السقاف الأدبية والتاريخية ومن بينها مقالاته عن عدد كبير من شعراء حضرموت ، كانت نواة لكتاب السقاف الشهير ( تاريخ الشعراء الحضرميين ) الذي بلغ خمسة أجزاء .
   كما كان من بينها مقالات السقاف عن عصور من التاريخ السياسي لحضرموت ولاسيما فترة تأسيس الدولة الكثيرية الثانية ، ويشار هنا إلى أن للسقاف كتابًا مفقودًا بعنوان ( تاريخ حضرموت السياسي ) ، ومن ثم تصبح تلك المقالات المستند الوحيد لمحتوى ذلك الكتاب ، وقد نشرتها الصحيفة في عشرة من أعدادها سنة 1934 م .
   كما نشرت صحيفة ( الرشديات ) أشعارًا ومقالات أخرى للسقاف ولغيره مثل حامد المحضار ومحمد باوزير ، ولم يقتصر الأمر على ذلك ، بل برهن صاحب الصحيفة أنه ذو معرفة جيدة بالقطر الحضرمي ، ومتابع لإصدارات الحضارم من كتب ومن مجلاتهم المهجرية ، وقد نشر خبرًا عن إصدار كتاب ( رحلة إلى الثغرين الشحر والمكلا ) للأستاذ محمد بن هاشم ، وعن إصدار بعض أعداد مجلة ( النهضة الحضرمية ) التي كانت تصدر في سنغافورة .
   ولم يكتف الأستاذ زكريا رشدي بذلك ، بل نجده يكتب تعريفًا موسعًا ومصورًا لكتاب رحلة إلى الثغرين متابعًا معه مسار رحلته التي انطلقت من وادي حضرموت عبر الطريق التي شقها بعض ذوي الثراء الوطنيين من سادة آل الكاف ، ناشرًا صورًا لهم وللمؤلف محمد بن هاشم الذي يعد أحد أبرز أعلام الأدب في حضرموت ، وتوفي سنة 1961 م .
   لقد جعل الأستاذ المصري زكريا رشدي عنوان عرضه للكتاب سنة 1933 مبنيًا على هذا التساؤل ( القطر الحضرمي ،، هل آن للعالم معرفة قيمته التاريخية والاقتصادية ) ، فهل ما زال هذا السؤال قائمًا ؟
 

الاثنين، 21 مارس 2011

وداعًا حضرموت المحافظة مرحبًا حضرموت الإقليم


   لقد غدا إعلان إنشاء أقاليم في ما يسمى اليوم بالجمهورية اليمنية موضع إجماع سياسي وطني بعد أن انفردت بالدعوة إليه بعض أحزاب المعارضة ليصبح بعد ذلك مطلبًا لجميع المعارضة الرسمية واكتملت الحلقة بتصريح السلطة بتبنيه .
   إن تشكيل إقليم حضرموت يعد الآن مكسبًا متقدمًا على ما كان يسمى بمحافظة حضرموت التي تمثل جزءًا من ذلك الإقليم ولا يجوز التفريط فيه كمكسب سياسي في أي صيغة سياسية قادمة تتمخض عنها الأحداث التي تعتمل في الوطن اليمني أيًا كان شكل أو هوية تلك الصيغة ، ويجب أن تضع الفعاليات الوطنية في حضرموت في الساحات أو في المجالس المشكلة ذلك الاستحقاق الوطني نصب عينها من الآن من حيث التمسك به والتفكير الجاد في بنيته ، حتى تكون مهيأة للمشاركة مستقبلاً في قرار صياغته وتشكيله قبولاً أو رفضًا بما يتوافق مع الهوية الحقيقية لمجتمع الإقليم ومصالحه الحيوية .
   أنا أعلم أن ربع قرن من الحكم المركزي العدني ثم الصنعاني لحضرموت قد خلق جيلاً من الحضارمة جاهل بهويته محتقر لذاته لا ينبهر إلا بكل ما يأتيه من غرب الوطن ( من صنعاء وعدن ) على كل الأصعدة ، ويسيء الظن بكل ما يتشكل على أرضه الحضرمية ، ولا يرى الحديث عن أي بقعة من الوطن يتصف بالمناطقية إلا الحديث عن حضرموت والحضارم ، وإذا تحدث عنه أتى حديثه مغمورًا بالاستحياء والارتباك وكأننا بدعًا من الشعوب التي نالت حقوقها واختارت مصيرها في إطار مستقل أو إطار دولة فيدرالية .
   لماذا لا نستفيد من التجارب العربية والإسلامية ، هل الشعب الحضرمي أقل آدمية من شعوب بعض دول الخليج التي تكبرها بعض مديريات حضرموت ، ومع ذلك تنعم باستقلال تطاول به كبريات الدول حولها ، أنا أعرف أن عامة الحضارمة أكثر ميلاً للوحدة الوطنية رغم زيف أقوال بعض أبنائهم المخذولين ، لكنهم ليسوا أقل استحقاقًا من كيانات وأقاليم تملك قرارها ومقدراتها في إطار دولتها الوطنية كإمارة دبي في الإمارات المتحدة أو إقليم كردستان في جمهورية العراق .
   لذا فإننا ينبغي أن نقول من الآن أيًا كانت اتجاهاتنا أو تصوراتنا لمستقبل البلاد وداعًا لعهد محافظة حضرموت مرحبًا وأهلاً بعهد إقليم حضرموت ، يقولها الذاهب إلى صنعاء أو الذاهب إلى عدن متسلحًا بتصور متكامل لكيف يتطلع أبناء الكيان الإداري الجديد أن يكون شكله وتكوينه ، وكل من موقعه ، فالسياسي عليه تأكيد المطلب والتمسك به والمشاركة في صياغته ، والمثقف عليه أن يقلب في أوراقه الثقافية والتاريخية لتأصيله ، ومن يستطع شيئًا في هذا الإطار فلا يبخل به .
   إن المناخ الآن في حضرموت يساعد على الطرح القوي للموضوع ، من نهوض وطني على المستوى الشعبي وما فعاليات ( الختايم ) وما شاكلها عننا ببعيد ، ونهوض ثقافي يعتمل في السنوات الأخيرة بقيادة بعض المؤسسات الثقافية بحضرموت ، وهو طرح اكتسب مشروعية وقد صبغ أخيرًا بغطاء سياسي ، فلا تفوتنكم الفرصة من أجل إنشاء الإقليم الحضرمي وإحكام بنائه بحيث يتمتع فيه الإنسان الحضرمي بما حرم منه طويلاً من الشعور بالانتماء الصافي في هذا الوطن الذي نراه الآن في مهب الريح .

الجمعة، 18 مارس 2011

إقليم حضرموت في شعر الأعشى

   تعد حضرموت إحدى أقاليم اليمن بمفهومه الواسع الذي فشل بعضهم في صبغه بطابع جهوي ضيق جنوبي أو شمالي ، وهو إقليم ضاربة جذوره في عمق التاريخ باسمه وتكوينه فشلت كل محاولات القاصرين من أبنائه أو جيرانه من طمسه أو تذويبه ، وهو يستعد اليوم لأخذ دوره الحقيقي والحضاري المتميز ضمن إطار سائر الأقاليم اليمنية الحضارية الأخرى .
   ذلك الدور لإقليم حضرموت كان بارزًا في عصور مضت على مستوى اليمن والجزيرة العربية ككل حتى نراه مزارًا لبعض كبار شعراء الجاهلية لمدح رؤسائه وأشرافه ، ومن بين أولئك الشعراء صناجة العرب الشاعر الجاهلي ( الأعشى ) الذي اختلف المؤرخون في إسلامه من عدمه ، وكان مغرمًا بالترحال ليكتسب رزقه من مدح زعماء القبائل والمناطق في جزيرة العرب وأطرافها المجاورة ، ونراه يذكر مزاراته في قوله :
وقد طفـــت للمــال آفاقــــــه     عمان فحمص  فأوريشـــــلم
أتيت النجاشي  في أرضــــه     وأرض النبيط وأرض العجم
فنجران فالســــرو من حمير     فأي  مـــــــــرام  له  لم أرم
ومن بعد ذاك إلى حضرموت     فأوفيت همــــي وحينًا  أهم
   وقد ذكر الأعشى في شعره كثيرًا من مناطق الإقليم الحضرمي التي مر بها لدى زيارته له ، ومن بينها عاصمته التاريخية مدينة ( شبوة ) حيث يقول :
إنا لدى ملك ( بشبوة )     ما تغب له النوافل
   وذكر من مدنه التاريخية مدينة ( تريم ) عاصمته الروحية في قوله :
طال الثواء لدى ( تريم )     وقد نأت بكر بن وائل
   كما زار مدينة ( شبام ) عاصمة الإقليم السياحية فقال في سياق مدحه لأحد زعمائها :
قد نال أهل ( شبام ) فضل سؤدده     إلى المدائن خاض الموت وادرعا
   ذلك الزعيم الحضرمي هو قيس بن معدي كرب الكندي الذي اختصه الأعشى بعدد من روائع قصائده سأكتفي بذكر مطالعها :
-قالت سمية  إذ رأت     برقًا يلوح على الجبالِ
يا حبذا وادي ( النجير )     وحبذا قيس الفعالِ
-لعمرك ما طول هذا الزمن     على المرء إلا عناء معن
-هل أنت يا مصلات مب     تكر غداة غدٍ فزاحل
-أتهجر غانية أم تلم     أم الحبل واه بها منجذم
-أأزمعت من آل ليلى ابتكارا     وشطت على ذي هوى أن تزارا
-رحلت سمية غدوة أجمالها     غضبى عليك فما تقول بدا لها
وفي هذه الأخيرة يصف الأعشى كرم ممدوحه وشهامته مع أبناء قومه وسعيه في الارتقاء بشأنهم حيث يقول :
وسعى لكندة غير سعي مواكل     قيس  فضر  عدوها وبنى لها
وأهان صالح  ماله  لفقيرها     وأسى وأصلح بينها وسعى لها
   كما مدح زعيمين حضرميين آخرين هما ربيعة بن حبوة ومسروق بن وائل ، ومما قاله في وصف كرم الأخير :
قالت سمية من مدحت     فقلت  مســـــروق بن وائل
عدي  لغيبي  أشــهرًا     إني لدى  خـــــــير المقاول
الناس حول  قبـــــابه     أهل الحوائج والمســــــائل
يومًا  بأجــــــود نائلاً     مِ الحضرمي أخي الفواضل
   وهذا الممدوح هو أحد أمراء حضرموت وفد على النبي فأسلم ، والمقاول جمع مقول مثل الأقيال والأذواء ألقاب لأمراء اليمن ، وهي الوحيدة في الممدوح .
   واليوم تتوق حضرموت لشباب من أبنائها ، يرفعون من قدرها ، ويسعون إلى برها ، يصححون مسارها ، ويحيون آثارها ، لتتفيأ بهم ظلالها ، وتستعيد مجدها وجلالها ، أو .. كان الله لها .
إقليم حضرموت يوجه نداء لأبنائه [ لشاعر من تريم ] :
كم ذا أنادي والشــعوب تيقظت     والحضرميون الكرام كسالى
فكأنهم لم يشـــعروا بالأمـر والـ     أخطار محـــــدقة بهم تتوالى
فمتى التيـــــقظ يا بنيّ  إلى متى     تتجرعون العســـف والإذلالا
قوموا بأجمعـــكم  وأدوا الواجبا     ت وكوّنوا  للنائبات رجــــالا
وتألفوا وتكـــاتفوا حتـــماً  و كو     نوا في العلا للناشــئين مثالا
وامضوا بعزم وانبذوا كل الضغا     ئن بينكم  وتقاسموا الأعمالا
هذا ندائي والرجـــــاء معلـــــق     فيكـــم وأنتم حقــــقوا الآمالا

الجمعة، 11 مارس 2011

حضرموت تتهم حكامها

   دخلت حضرموت تاريخها الحديث ممزقة بين إمارات تتناحر فيما بينها وبات المواطن الحضرمي يئن من جبروتها ، ويأتي السلطان محسن الكثيري ليؤسس مشروع دولة حضرمية موحدة على أنقاض أولئك إلا أنه ما كاد يشعر بتقدمه واكتساحه للمناطق حتى غلب عليه الغرور فتعجل النصر ولم يأخد أهبته واستخف بخصومه وأوقر سمعه لناصحيه فهزم عند أسوار المكلا وارتد مشروعه وانحصرت دولته في سيئون وتريم .
   ويبرز القعيطي الذي حاول بدوره إقامة دولة موحدة في حضرموت بقوة السلاح واكتسح معظم المناطق ، ومن جديد نراه يقع في خطأ سابقه فيغتر بتقدمه ويستخف بخصمه الكثيري فيهزم على أسوار سيئون ، وبذلك تصبح حضرموت منشطرة بين سلطنتين وهنا نرى المؤرخ محمد الشاطري يقول :
   " ولو تم لإحدى السلطنتين التغلب على الأخرى أو لو قدر لحضرموت أن تتوحد تحت لواء إحدى السلطنتين لكان في صالحها وصالح شعبها الذي حرم منذ قرون عديدة من وحدة الحكومة " .
   لكن هذا لم يحدث بل حدث ما هو أشد وأنكى ، فنرى السلطان عوض القعيطي يعقد سنة 1888 معاهدة حماية مع الإنجليز الذين كانوا يحتلون عدن آنذاك لتصبح بها حضرموت منذ ذلك التاريخ إحدى حامياتهم على بحر العرب ، ثم يلحقه بسنوات السلطان الكثيري ، الأمر الذي أغضب النخبة الواعية فنرى مفتي الديار الحضرمية ابن عبيد الله السقاف يشبه تلك المعاهدات بالحبائل والقيود لوطنه الحضرمي فيقول :
       ولي وطن مـذ ألف عام وأرضه     لزهر الهـدى أوج وللأوليـا وكـرُ
       أترتاح نفسي بعدما أوثقت لـه     حبائل  في طياتـها الغـدر  والمكـرُ
        نغار من الأمر اليســير يناله      فكيف وفي استعماره استشرف الكفرُ
لكن أولئك السلاطين تمادوا في إضاعة الوطن ومقدراته فأوقعوه في أغلال أفدح بتوقيعهم على معاهدات الصداقة والاستشارة المزعومة بدءًا من عهد السلطان صالح الذي اعتلا العرش في سن كبيرة حتى قال المؤرخ الشاطري عنه : " ولعله لو تولى وهو في شبابه لاستطاع أن يفيد البلاد أكثر فقد تولى وعمره قد ناهز الستين " ، وعاد مفتي الديار الحضرمية ابن عبيد الله السقاف لنصحهم قائلاً :
          ولا تستشيروا خائنًا في شئونكـم       فكل بلاءٍ في استشـارته كمن
تسيئون في الأخيار ظنًا وما لكم           وثقتم على رغمٍ بمن ليس يؤتمن؟
   ولكن لا مستمع فصارت البلاد رهينة للمستشارين الإنجليز الذين صاروا يتصدقون علينا بنصائحهم الزائفة ويمنون بمشاريعهم الضئيلة ، ويعبر المؤرخ محمد بامطرف عن تلك الحالة التعيسة بقوله :
   " قبع الإنجليز على مقاعد المستشارين النصحاء أمامنا وأمطرونا وابلاً من الإرشاد والتوجيه ، ولكنها كانت إرشادات وتوجيهات في تربة من الفقر تسقي من معين الأماني البرَّاقة وأحلام اليقظة ، وكانت النتيجة أن زرعوا معنا الريح وحصدنا وحدنا الأعاصير التي قذفت بالرماد كله في أعيننا ، وكل ما حققناه في ميادين التقدم ، إن كان هناك تقدم يُذكر في معارفنا وصحتنا ومواصلاتنا وإداراتنا ، كان في وسع الحضارم أن يحققوه وحدهم بفعل سير الزمن المضطرد والتفاعل الخارجي حتى ولو لم يكن للإنجليز شأن بحكم هذه البلاد " .
   ويرحل صالح عن حضرموت بعد أن غرس فيها المستشارين الإنجليز ، وخلف من بعده ذرية ضعافًا فأصابها إعصار الثورة التي شكلت نهاية ما سمي بالحكم ( الإنجلو سلاطيني ) ، لكن لأن الثوار الشباب حينها لم يدر ببالهم صياغة مستقبل أمثل لحضرموت رأيناهم يسلمونها بدورهم للحكم ( السوفاقي ) أي حكم السوفييت والرفاق الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد ، واليوم نجد من يشتاق لأحد الحكمين ، ويزينه في عيون من لا يعلمون ، ونحن نقول إن حضرموت تجاوزت السلاطين الذين رهنوها للمستعمر الغربي ، والرفاق الذين رهنوها للمستعمر الشرقي ، ولا تنتظر خيرًا ممن يجرها لهؤلاء أو هؤلاء ، والخير كل الخير في شبابها النقي السوي ، ولمن يدلهم إلى سواء الطريق ، دون تأثر بسلطان أو رفيق ، والله ولي الهداية والتوفيق .

أبيات لشاعر حضرمي من مدودة :
آن يا حضرموت أن ترفعي الرأس ، وأن ترفلي بثوب قشيبِ
أنا ما عدت خائفًا من قيودٍ ، أنا ما عـدت خائفًا من لهيـبِ
أنا حسبي أكون درعًا لشعبي ،  أنا حسبي أكون بعض وجيبِ
أنا جيل من الكفاح سأمضي ، لست أسعى لغير عيش رطيبِ