الجمعة، 11 مارس 2011

حضرموت تتهم حكامها

   دخلت حضرموت تاريخها الحديث ممزقة بين إمارات تتناحر فيما بينها وبات المواطن الحضرمي يئن من جبروتها ، ويأتي السلطان محسن الكثيري ليؤسس مشروع دولة حضرمية موحدة على أنقاض أولئك إلا أنه ما كاد يشعر بتقدمه واكتساحه للمناطق حتى غلب عليه الغرور فتعجل النصر ولم يأخد أهبته واستخف بخصومه وأوقر سمعه لناصحيه فهزم عند أسوار المكلا وارتد مشروعه وانحصرت دولته في سيئون وتريم .
   ويبرز القعيطي الذي حاول بدوره إقامة دولة موحدة في حضرموت بقوة السلاح واكتسح معظم المناطق ، ومن جديد نراه يقع في خطأ سابقه فيغتر بتقدمه ويستخف بخصمه الكثيري فيهزم على أسوار سيئون ، وبذلك تصبح حضرموت منشطرة بين سلطنتين وهنا نرى المؤرخ محمد الشاطري يقول :
   " ولو تم لإحدى السلطنتين التغلب على الأخرى أو لو قدر لحضرموت أن تتوحد تحت لواء إحدى السلطنتين لكان في صالحها وصالح شعبها الذي حرم منذ قرون عديدة من وحدة الحكومة " .
   لكن هذا لم يحدث بل حدث ما هو أشد وأنكى ، فنرى السلطان عوض القعيطي يعقد سنة 1888 معاهدة حماية مع الإنجليز الذين كانوا يحتلون عدن آنذاك لتصبح بها حضرموت منذ ذلك التاريخ إحدى حامياتهم على بحر العرب ، ثم يلحقه بسنوات السلطان الكثيري ، الأمر الذي أغضب النخبة الواعية فنرى مفتي الديار الحضرمية ابن عبيد الله السقاف يشبه تلك المعاهدات بالحبائل والقيود لوطنه الحضرمي فيقول :
       ولي وطن مـذ ألف عام وأرضه     لزهر الهـدى أوج وللأوليـا وكـرُ
       أترتاح نفسي بعدما أوثقت لـه     حبائل  في طياتـها الغـدر  والمكـرُ
        نغار من الأمر اليســير يناله      فكيف وفي استعماره استشرف الكفرُ
لكن أولئك السلاطين تمادوا في إضاعة الوطن ومقدراته فأوقعوه في أغلال أفدح بتوقيعهم على معاهدات الصداقة والاستشارة المزعومة بدءًا من عهد السلطان صالح الذي اعتلا العرش في سن كبيرة حتى قال المؤرخ الشاطري عنه : " ولعله لو تولى وهو في شبابه لاستطاع أن يفيد البلاد أكثر فقد تولى وعمره قد ناهز الستين " ، وعاد مفتي الديار الحضرمية ابن عبيد الله السقاف لنصحهم قائلاً :
          ولا تستشيروا خائنًا في شئونكـم       فكل بلاءٍ في استشـارته كمن
تسيئون في الأخيار ظنًا وما لكم           وثقتم على رغمٍ بمن ليس يؤتمن؟
   ولكن لا مستمع فصارت البلاد رهينة للمستشارين الإنجليز الذين صاروا يتصدقون علينا بنصائحهم الزائفة ويمنون بمشاريعهم الضئيلة ، ويعبر المؤرخ محمد بامطرف عن تلك الحالة التعيسة بقوله :
   " قبع الإنجليز على مقاعد المستشارين النصحاء أمامنا وأمطرونا وابلاً من الإرشاد والتوجيه ، ولكنها كانت إرشادات وتوجيهات في تربة من الفقر تسقي من معين الأماني البرَّاقة وأحلام اليقظة ، وكانت النتيجة أن زرعوا معنا الريح وحصدنا وحدنا الأعاصير التي قذفت بالرماد كله في أعيننا ، وكل ما حققناه في ميادين التقدم ، إن كان هناك تقدم يُذكر في معارفنا وصحتنا ومواصلاتنا وإداراتنا ، كان في وسع الحضارم أن يحققوه وحدهم بفعل سير الزمن المضطرد والتفاعل الخارجي حتى ولو لم يكن للإنجليز شأن بحكم هذه البلاد " .
   ويرحل صالح عن حضرموت بعد أن غرس فيها المستشارين الإنجليز ، وخلف من بعده ذرية ضعافًا فأصابها إعصار الثورة التي شكلت نهاية ما سمي بالحكم ( الإنجلو سلاطيني ) ، لكن لأن الثوار الشباب حينها لم يدر ببالهم صياغة مستقبل أمثل لحضرموت رأيناهم يسلمونها بدورهم للحكم ( السوفاقي ) أي حكم السوفييت والرفاق الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد ، واليوم نجد من يشتاق لأحد الحكمين ، ويزينه في عيون من لا يعلمون ، ونحن نقول إن حضرموت تجاوزت السلاطين الذين رهنوها للمستعمر الغربي ، والرفاق الذين رهنوها للمستعمر الشرقي ، ولا تنتظر خيرًا ممن يجرها لهؤلاء أو هؤلاء ، والخير كل الخير في شبابها النقي السوي ، ولمن يدلهم إلى سواء الطريق ، دون تأثر بسلطان أو رفيق ، والله ولي الهداية والتوفيق .

أبيات لشاعر حضرمي من مدودة :
آن يا حضرموت أن ترفعي الرأس ، وأن ترفلي بثوب قشيبِ
أنا ما عدت خائفًا من قيودٍ ، أنا ما عـدت خائفًا من لهيـبِ
أنا حسبي أكون درعًا لشعبي ،  أنا حسبي أكون بعض وجيبِ
أنا جيل من الكفاح سأمضي ، لست أسعى لغير عيش رطيبِ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق