الجمعة، 18 مارس 2011

إقليم حضرموت في شعر الأعشى

   تعد حضرموت إحدى أقاليم اليمن بمفهومه الواسع الذي فشل بعضهم في صبغه بطابع جهوي ضيق جنوبي أو شمالي ، وهو إقليم ضاربة جذوره في عمق التاريخ باسمه وتكوينه فشلت كل محاولات القاصرين من أبنائه أو جيرانه من طمسه أو تذويبه ، وهو يستعد اليوم لأخذ دوره الحقيقي والحضاري المتميز ضمن إطار سائر الأقاليم اليمنية الحضارية الأخرى .
   ذلك الدور لإقليم حضرموت كان بارزًا في عصور مضت على مستوى اليمن والجزيرة العربية ككل حتى نراه مزارًا لبعض كبار شعراء الجاهلية لمدح رؤسائه وأشرافه ، ومن بين أولئك الشعراء صناجة العرب الشاعر الجاهلي ( الأعشى ) الذي اختلف المؤرخون في إسلامه من عدمه ، وكان مغرمًا بالترحال ليكتسب رزقه من مدح زعماء القبائل والمناطق في جزيرة العرب وأطرافها المجاورة ، ونراه يذكر مزاراته في قوله :
وقد طفـــت للمــال آفاقــــــه     عمان فحمص  فأوريشـــــلم
أتيت النجاشي  في أرضــــه     وأرض النبيط وأرض العجم
فنجران فالســــرو من حمير     فأي  مـــــــــرام  له  لم أرم
ومن بعد ذاك إلى حضرموت     فأوفيت همــــي وحينًا  أهم
   وقد ذكر الأعشى في شعره كثيرًا من مناطق الإقليم الحضرمي التي مر بها لدى زيارته له ، ومن بينها عاصمته التاريخية مدينة ( شبوة ) حيث يقول :
إنا لدى ملك ( بشبوة )     ما تغب له النوافل
   وذكر من مدنه التاريخية مدينة ( تريم ) عاصمته الروحية في قوله :
طال الثواء لدى ( تريم )     وقد نأت بكر بن وائل
   كما زار مدينة ( شبام ) عاصمة الإقليم السياحية فقال في سياق مدحه لأحد زعمائها :
قد نال أهل ( شبام ) فضل سؤدده     إلى المدائن خاض الموت وادرعا
   ذلك الزعيم الحضرمي هو قيس بن معدي كرب الكندي الذي اختصه الأعشى بعدد من روائع قصائده سأكتفي بذكر مطالعها :
-قالت سمية  إذ رأت     برقًا يلوح على الجبالِ
يا حبذا وادي ( النجير )     وحبذا قيس الفعالِ
-لعمرك ما طول هذا الزمن     على المرء إلا عناء معن
-هل أنت يا مصلات مب     تكر غداة غدٍ فزاحل
-أتهجر غانية أم تلم     أم الحبل واه بها منجذم
-أأزمعت من آل ليلى ابتكارا     وشطت على ذي هوى أن تزارا
-رحلت سمية غدوة أجمالها     غضبى عليك فما تقول بدا لها
وفي هذه الأخيرة يصف الأعشى كرم ممدوحه وشهامته مع أبناء قومه وسعيه في الارتقاء بشأنهم حيث يقول :
وسعى لكندة غير سعي مواكل     قيس  فضر  عدوها وبنى لها
وأهان صالح  ماله  لفقيرها     وأسى وأصلح بينها وسعى لها
   كما مدح زعيمين حضرميين آخرين هما ربيعة بن حبوة ومسروق بن وائل ، ومما قاله في وصف كرم الأخير :
قالت سمية من مدحت     فقلت  مســـــروق بن وائل
عدي  لغيبي  أشــهرًا     إني لدى  خـــــــير المقاول
الناس حول  قبـــــابه     أهل الحوائج والمســــــائل
يومًا  بأجــــــود نائلاً     مِ الحضرمي أخي الفواضل
   وهذا الممدوح هو أحد أمراء حضرموت وفد على النبي فأسلم ، والمقاول جمع مقول مثل الأقيال والأذواء ألقاب لأمراء اليمن ، وهي الوحيدة في الممدوح .
   واليوم تتوق حضرموت لشباب من أبنائها ، يرفعون من قدرها ، ويسعون إلى برها ، يصححون مسارها ، ويحيون آثارها ، لتتفيأ بهم ظلالها ، وتستعيد مجدها وجلالها ، أو .. كان الله لها .
إقليم حضرموت يوجه نداء لأبنائه [ لشاعر من تريم ] :
كم ذا أنادي والشــعوب تيقظت     والحضرميون الكرام كسالى
فكأنهم لم يشـــعروا بالأمـر والـ     أخطار محـــــدقة بهم تتوالى
فمتى التيـــــقظ يا بنيّ  إلى متى     تتجرعون العســـف والإذلالا
قوموا بأجمعـــكم  وأدوا الواجبا     ت وكوّنوا  للنائبات رجــــالا
وتألفوا وتكـــاتفوا حتـــماً  و كو     نوا في العلا للناشــئين مثالا
وامضوا بعزم وانبذوا كل الضغا     ئن بينكم  وتقاسموا الأعمالا
هذا ندائي والرجـــــاء معلـــــق     فيكـــم وأنتم حقــــقوا الآمالا

هناك تعليق واحد:

  1. مدونة رائعة و مقالات مركزة فعلا ..
    تمنياتي لك بالتوفيق..

    ردحذف