الأربعاء، 30 مارس 2011

تاريخنا من الإرشيف المصري ( صحيفة الرشديات )


   اعتنت كثير من الصحف والمجلات المصرية بما تنتجه المحابر الحضرمية من كتابات كثير من الأدباء والكتاب الحضارمة ، إضافة إلى نشر أخبار بعض ما كان يعتمل في حضرموت أو في مهاجر أبنائها ، ومن بين تلك الصحف المصرية ذات العناية الكبيرة بالشأن الحضرمي صحيفة مستقلة حملت اسم ( الرشديات ) التي ابتدأ صدورها منذ سنة 1913 .
   سميت هذه الصحيفة باسم مالكها الأستاذ زكريا أحمد رشدي الذي رأس تحريرها ، وكانت تصدر من مدينة الإسكندرية ، وكانت تربط صاحبها علاقة حميمية بالمؤرخ والأديب الحضرمي عبد الله محمد بن حامد السقاف ، فكان ذلك سر اهتماماته بالنتاجات الحضرمية وقد نشر كثيرًا من كتابات السقاف الأدبية والتاريخية ومن بينها مقالاته عن عدد كبير من شعراء حضرموت ، كانت نواة لكتاب السقاف الشهير ( تاريخ الشعراء الحضرميين ) الذي بلغ خمسة أجزاء .
   كما كان من بينها مقالات السقاف عن عصور من التاريخ السياسي لحضرموت ولاسيما فترة تأسيس الدولة الكثيرية الثانية ، ويشار هنا إلى أن للسقاف كتابًا مفقودًا بعنوان ( تاريخ حضرموت السياسي ) ، ومن ثم تصبح تلك المقالات المستند الوحيد لمحتوى ذلك الكتاب ، وقد نشرتها الصحيفة في عشرة من أعدادها سنة 1934 م .
   كما نشرت صحيفة ( الرشديات ) أشعارًا ومقالات أخرى للسقاف ولغيره مثل حامد المحضار ومحمد باوزير ، ولم يقتصر الأمر على ذلك ، بل برهن صاحب الصحيفة أنه ذو معرفة جيدة بالقطر الحضرمي ، ومتابع لإصدارات الحضارم من كتب ومن مجلاتهم المهجرية ، وقد نشر خبرًا عن إصدار كتاب ( رحلة إلى الثغرين الشحر والمكلا ) للأستاذ محمد بن هاشم ، وعن إصدار بعض أعداد مجلة ( النهضة الحضرمية ) التي كانت تصدر في سنغافورة .
   ولم يكتف الأستاذ زكريا رشدي بذلك ، بل نجده يكتب تعريفًا موسعًا ومصورًا لكتاب رحلة إلى الثغرين متابعًا معه مسار رحلته التي انطلقت من وادي حضرموت عبر الطريق التي شقها بعض ذوي الثراء الوطنيين من سادة آل الكاف ، ناشرًا صورًا لهم وللمؤلف محمد بن هاشم الذي يعد أحد أبرز أعلام الأدب في حضرموت ، وتوفي سنة 1961 م .
   لقد جعل الأستاذ المصري زكريا رشدي عنوان عرضه للكتاب سنة 1933 مبنيًا على هذا التساؤل ( القطر الحضرمي ،، هل آن للعالم معرفة قيمته التاريخية والاقتصادية ) ، فهل ما زال هذا السؤال قائمًا ؟
 

الاثنين، 21 مارس 2011

وداعًا حضرموت المحافظة مرحبًا حضرموت الإقليم


   لقد غدا إعلان إنشاء أقاليم في ما يسمى اليوم بالجمهورية اليمنية موضع إجماع سياسي وطني بعد أن انفردت بالدعوة إليه بعض أحزاب المعارضة ليصبح بعد ذلك مطلبًا لجميع المعارضة الرسمية واكتملت الحلقة بتصريح السلطة بتبنيه .
   إن تشكيل إقليم حضرموت يعد الآن مكسبًا متقدمًا على ما كان يسمى بمحافظة حضرموت التي تمثل جزءًا من ذلك الإقليم ولا يجوز التفريط فيه كمكسب سياسي في أي صيغة سياسية قادمة تتمخض عنها الأحداث التي تعتمل في الوطن اليمني أيًا كان شكل أو هوية تلك الصيغة ، ويجب أن تضع الفعاليات الوطنية في حضرموت في الساحات أو في المجالس المشكلة ذلك الاستحقاق الوطني نصب عينها من الآن من حيث التمسك به والتفكير الجاد في بنيته ، حتى تكون مهيأة للمشاركة مستقبلاً في قرار صياغته وتشكيله قبولاً أو رفضًا بما يتوافق مع الهوية الحقيقية لمجتمع الإقليم ومصالحه الحيوية .
   أنا أعلم أن ربع قرن من الحكم المركزي العدني ثم الصنعاني لحضرموت قد خلق جيلاً من الحضارمة جاهل بهويته محتقر لذاته لا ينبهر إلا بكل ما يأتيه من غرب الوطن ( من صنعاء وعدن ) على كل الأصعدة ، ويسيء الظن بكل ما يتشكل على أرضه الحضرمية ، ولا يرى الحديث عن أي بقعة من الوطن يتصف بالمناطقية إلا الحديث عن حضرموت والحضارم ، وإذا تحدث عنه أتى حديثه مغمورًا بالاستحياء والارتباك وكأننا بدعًا من الشعوب التي نالت حقوقها واختارت مصيرها في إطار مستقل أو إطار دولة فيدرالية .
   لماذا لا نستفيد من التجارب العربية والإسلامية ، هل الشعب الحضرمي أقل آدمية من شعوب بعض دول الخليج التي تكبرها بعض مديريات حضرموت ، ومع ذلك تنعم باستقلال تطاول به كبريات الدول حولها ، أنا أعرف أن عامة الحضارمة أكثر ميلاً للوحدة الوطنية رغم زيف أقوال بعض أبنائهم المخذولين ، لكنهم ليسوا أقل استحقاقًا من كيانات وأقاليم تملك قرارها ومقدراتها في إطار دولتها الوطنية كإمارة دبي في الإمارات المتحدة أو إقليم كردستان في جمهورية العراق .
   لذا فإننا ينبغي أن نقول من الآن أيًا كانت اتجاهاتنا أو تصوراتنا لمستقبل البلاد وداعًا لعهد محافظة حضرموت مرحبًا وأهلاً بعهد إقليم حضرموت ، يقولها الذاهب إلى صنعاء أو الذاهب إلى عدن متسلحًا بتصور متكامل لكيف يتطلع أبناء الكيان الإداري الجديد أن يكون شكله وتكوينه ، وكل من موقعه ، فالسياسي عليه تأكيد المطلب والتمسك به والمشاركة في صياغته ، والمثقف عليه أن يقلب في أوراقه الثقافية والتاريخية لتأصيله ، ومن يستطع شيئًا في هذا الإطار فلا يبخل به .
   إن المناخ الآن في حضرموت يساعد على الطرح القوي للموضوع ، من نهوض وطني على المستوى الشعبي وما فعاليات ( الختايم ) وما شاكلها عننا ببعيد ، ونهوض ثقافي يعتمل في السنوات الأخيرة بقيادة بعض المؤسسات الثقافية بحضرموت ، وهو طرح اكتسب مشروعية وقد صبغ أخيرًا بغطاء سياسي ، فلا تفوتنكم الفرصة من أجل إنشاء الإقليم الحضرمي وإحكام بنائه بحيث يتمتع فيه الإنسان الحضرمي بما حرم منه طويلاً من الشعور بالانتماء الصافي في هذا الوطن الذي نراه الآن في مهب الريح .

الجمعة، 18 مارس 2011

إقليم حضرموت في شعر الأعشى

   تعد حضرموت إحدى أقاليم اليمن بمفهومه الواسع الذي فشل بعضهم في صبغه بطابع جهوي ضيق جنوبي أو شمالي ، وهو إقليم ضاربة جذوره في عمق التاريخ باسمه وتكوينه فشلت كل محاولات القاصرين من أبنائه أو جيرانه من طمسه أو تذويبه ، وهو يستعد اليوم لأخذ دوره الحقيقي والحضاري المتميز ضمن إطار سائر الأقاليم اليمنية الحضارية الأخرى .
   ذلك الدور لإقليم حضرموت كان بارزًا في عصور مضت على مستوى اليمن والجزيرة العربية ككل حتى نراه مزارًا لبعض كبار شعراء الجاهلية لمدح رؤسائه وأشرافه ، ومن بين أولئك الشعراء صناجة العرب الشاعر الجاهلي ( الأعشى ) الذي اختلف المؤرخون في إسلامه من عدمه ، وكان مغرمًا بالترحال ليكتسب رزقه من مدح زعماء القبائل والمناطق في جزيرة العرب وأطرافها المجاورة ، ونراه يذكر مزاراته في قوله :
وقد طفـــت للمــال آفاقــــــه     عمان فحمص  فأوريشـــــلم
أتيت النجاشي  في أرضــــه     وأرض النبيط وأرض العجم
فنجران فالســــرو من حمير     فأي  مـــــــــرام  له  لم أرم
ومن بعد ذاك إلى حضرموت     فأوفيت همــــي وحينًا  أهم
   وقد ذكر الأعشى في شعره كثيرًا من مناطق الإقليم الحضرمي التي مر بها لدى زيارته له ، ومن بينها عاصمته التاريخية مدينة ( شبوة ) حيث يقول :
إنا لدى ملك ( بشبوة )     ما تغب له النوافل
   وذكر من مدنه التاريخية مدينة ( تريم ) عاصمته الروحية في قوله :
طال الثواء لدى ( تريم )     وقد نأت بكر بن وائل
   كما زار مدينة ( شبام ) عاصمة الإقليم السياحية فقال في سياق مدحه لأحد زعمائها :
قد نال أهل ( شبام ) فضل سؤدده     إلى المدائن خاض الموت وادرعا
   ذلك الزعيم الحضرمي هو قيس بن معدي كرب الكندي الذي اختصه الأعشى بعدد من روائع قصائده سأكتفي بذكر مطالعها :
-قالت سمية  إذ رأت     برقًا يلوح على الجبالِ
يا حبذا وادي ( النجير )     وحبذا قيس الفعالِ
-لعمرك ما طول هذا الزمن     على المرء إلا عناء معن
-هل أنت يا مصلات مب     تكر غداة غدٍ فزاحل
-أتهجر غانية أم تلم     أم الحبل واه بها منجذم
-أأزمعت من آل ليلى ابتكارا     وشطت على ذي هوى أن تزارا
-رحلت سمية غدوة أجمالها     غضبى عليك فما تقول بدا لها
وفي هذه الأخيرة يصف الأعشى كرم ممدوحه وشهامته مع أبناء قومه وسعيه في الارتقاء بشأنهم حيث يقول :
وسعى لكندة غير سعي مواكل     قيس  فضر  عدوها وبنى لها
وأهان صالح  ماله  لفقيرها     وأسى وأصلح بينها وسعى لها
   كما مدح زعيمين حضرميين آخرين هما ربيعة بن حبوة ومسروق بن وائل ، ومما قاله في وصف كرم الأخير :
قالت سمية من مدحت     فقلت  مســـــروق بن وائل
عدي  لغيبي  أشــهرًا     إني لدى  خـــــــير المقاول
الناس حول  قبـــــابه     أهل الحوائج والمســــــائل
يومًا  بأجــــــود نائلاً     مِ الحضرمي أخي الفواضل
   وهذا الممدوح هو أحد أمراء حضرموت وفد على النبي فأسلم ، والمقاول جمع مقول مثل الأقيال والأذواء ألقاب لأمراء اليمن ، وهي الوحيدة في الممدوح .
   واليوم تتوق حضرموت لشباب من أبنائها ، يرفعون من قدرها ، ويسعون إلى برها ، يصححون مسارها ، ويحيون آثارها ، لتتفيأ بهم ظلالها ، وتستعيد مجدها وجلالها ، أو .. كان الله لها .
إقليم حضرموت يوجه نداء لأبنائه [ لشاعر من تريم ] :
كم ذا أنادي والشــعوب تيقظت     والحضرميون الكرام كسالى
فكأنهم لم يشـــعروا بالأمـر والـ     أخطار محـــــدقة بهم تتوالى
فمتى التيـــــقظ يا بنيّ  إلى متى     تتجرعون العســـف والإذلالا
قوموا بأجمعـــكم  وأدوا الواجبا     ت وكوّنوا  للنائبات رجــــالا
وتألفوا وتكـــاتفوا حتـــماً  و كو     نوا في العلا للناشــئين مثالا
وامضوا بعزم وانبذوا كل الضغا     ئن بينكم  وتقاسموا الأعمالا
هذا ندائي والرجـــــاء معلـــــق     فيكـــم وأنتم حقــــقوا الآمالا

الجمعة، 11 مارس 2011

حضرموت تتهم حكامها

   دخلت حضرموت تاريخها الحديث ممزقة بين إمارات تتناحر فيما بينها وبات المواطن الحضرمي يئن من جبروتها ، ويأتي السلطان محسن الكثيري ليؤسس مشروع دولة حضرمية موحدة على أنقاض أولئك إلا أنه ما كاد يشعر بتقدمه واكتساحه للمناطق حتى غلب عليه الغرور فتعجل النصر ولم يأخد أهبته واستخف بخصومه وأوقر سمعه لناصحيه فهزم عند أسوار المكلا وارتد مشروعه وانحصرت دولته في سيئون وتريم .
   ويبرز القعيطي الذي حاول بدوره إقامة دولة موحدة في حضرموت بقوة السلاح واكتسح معظم المناطق ، ومن جديد نراه يقع في خطأ سابقه فيغتر بتقدمه ويستخف بخصمه الكثيري فيهزم على أسوار سيئون ، وبذلك تصبح حضرموت منشطرة بين سلطنتين وهنا نرى المؤرخ محمد الشاطري يقول :
   " ولو تم لإحدى السلطنتين التغلب على الأخرى أو لو قدر لحضرموت أن تتوحد تحت لواء إحدى السلطنتين لكان في صالحها وصالح شعبها الذي حرم منذ قرون عديدة من وحدة الحكومة " .
   لكن هذا لم يحدث بل حدث ما هو أشد وأنكى ، فنرى السلطان عوض القعيطي يعقد سنة 1888 معاهدة حماية مع الإنجليز الذين كانوا يحتلون عدن آنذاك لتصبح بها حضرموت منذ ذلك التاريخ إحدى حامياتهم على بحر العرب ، ثم يلحقه بسنوات السلطان الكثيري ، الأمر الذي أغضب النخبة الواعية فنرى مفتي الديار الحضرمية ابن عبيد الله السقاف يشبه تلك المعاهدات بالحبائل والقيود لوطنه الحضرمي فيقول :
       ولي وطن مـذ ألف عام وأرضه     لزهر الهـدى أوج وللأوليـا وكـرُ
       أترتاح نفسي بعدما أوثقت لـه     حبائل  في طياتـها الغـدر  والمكـرُ
        نغار من الأمر اليســير يناله      فكيف وفي استعماره استشرف الكفرُ
لكن أولئك السلاطين تمادوا في إضاعة الوطن ومقدراته فأوقعوه في أغلال أفدح بتوقيعهم على معاهدات الصداقة والاستشارة المزعومة بدءًا من عهد السلطان صالح الذي اعتلا العرش في سن كبيرة حتى قال المؤرخ الشاطري عنه : " ولعله لو تولى وهو في شبابه لاستطاع أن يفيد البلاد أكثر فقد تولى وعمره قد ناهز الستين " ، وعاد مفتي الديار الحضرمية ابن عبيد الله السقاف لنصحهم قائلاً :
          ولا تستشيروا خائنًا في شئونكـم       فكل بلاءٍ في استشـارته كمن
تسيئون في الأخيار ظنًا وما لكم           وثقتم على رغمٍ بمن ليس يؤتمن؟
   ولكن لا مستمع فصارت البلاد رهينة للمستشارين الإنجليز الذين صاروا يتصدقون علينا بنصائحهم الزائفة ويمنون بمشاريعهم الضئيلة ، ويعبر المؤرخ محمد بامطرف عن تلك الحالة التعيسة بقوله :
   " قبع الإنجليز على مقاعد المستشارين النصحاء أمامنا وأمطرونا وابلاً من الإرشاد والتوجيه ، ولكنها كانت إرشادات وتوجيهات في تربة من الفقر تسقي من معين الأماني البرَّاقة وأحلام اليقظة ، وكانت النتيجة أن زرعوا معنا الريح وحصدنا وحدنا الأعاصير التي قذفت بالرماد كله في أعيننا ، وكل ما حققناه في ميادين التقدم ، إن كان هناك تقدم يُذكر في معارفنا وصحتنا ومواصلاتنا وإداراتنا ، كان في وسع الحضارم أن يحققوه وحدهم بفعل سير الزمن المضطرد والتفاعل الخارجي حتى ولو لم يكن للإنجليز شأن بحكم هذه البلاد " .
   ويرحل صالح عن حضرموت بعد أن غرس فيها المستشارين الإنجليز ، وخلف من بعده ذرية ضعافًا فأصابها إعصار الثورة التي شكلت نهاية ما سمي بالحكم ( الإنجلو سلاطيني ) ، لكن لأن الثوار الشباب حينها لم يدر ببالهم صياغة مستقبل أمثل لحضرموت رأيناهم يسلمونها بدورهم للحكم ( السوفاقي ) أي حكم السوفييت والرفاق الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد ، واليوم نجد من يشتاق لأحد الحكمين ، ويزينه في عيون من لا يعلمون ، ونحن نقول إن حضرموت تجاوزت السلاطين الذين رهنوها للمستعمر الغربي ، والرفاق الذين رهنوها للمستعمر الشرقي ، ولا تنتظر خيرًا ممن يجرها لهؤلاء أو هؤلاء ، والخير كل الخير في شبابها النقي السوي ، ولمن يدلهم إلى سواء الطريق ، دون تأثر بسلطان أو رفيق ، والله ولي الهداية والتوفيق .

أبيات لشاعر حضرمي من مدودة :
آن يا حضرموت أن ترفعي الرأس ، وأن ترفلي بثوب قشيبِ
أنا ما عدت خائفًا من قيودٍ ، أنا ما عـدت خائفًا من لهيـبِ
أنا حسبي أكون درعًا لشعبي ،  أنا حسبي أكون بعض وجيبِ
أنا جيل من الكفاح سأمضي ، لست أسعى لغير عيش رطيبِ

الثلاثاء، 8 مارس 2011

تاريخنا من الإرشيف المصري : هل كان السلطان صالح كويتيًا ؟

 هذا ما تشير إليه صحيفة مصرية رسمية بأن السلطان صالح من الكويت !! حيث كانت الصحف والمجلات المصرية تبدي اهتمامًا لا بمقالات كتاب حضرموت وأدبائها بل تعنى بتسجيل كل ما كان ذا شأن يعتمل في حضرموت ، ومن ذلك وفاة سلطانها الشهير صالح بن غالب القعيطي الذي وافته المنية في منتصف عام 1956 فتناقلت صحف مصر ذلك الخبر الجلل ومن بينها صحيفة ( الجمهورية ) التي انفردت بتفجير تلك المفاجأة الخبرية وهي أن أشهر حكام حضرموت المعاصرين كان ( من الكويت ) ، وذلك في عددها الذي حمل رقم ( 892 ) الصادر بتاريخ 29/5/1956 وكان سياق الخبر المنشور على هذا النحو :
" العنوان : وفاة سلطان من الكويت
عدن ، في 28 -و.ا.ع- توفي السلطان السيد صالح غالب من الكويت مساء أمس في مستشفى مدني في عدن وهو في الثامنة والسبعين ، وكان قد أجريت له جراحة في عظمة الفخذ على أيدي جراحين أخصائيين من لندن وقد نقل جثمانه بالطائرة إلى المكلا " .
وإلى هنا انتهى الخبر .
   فمن هو هذا السلطان الكويتي الذي قضى ساعاته الأخيرة في الجنوب ونحن نعرف أن حكام الكويت يحملون لقب أمير لا سلطان ولماذا اختار عدن لعلاجه ولماذا يدفن في المكلا بعد موته أم إن ثمة مدينة كويتية تدعى المكلا ، أما السلطان صالح بن غالب فكلنا نعرف أنه كان حضرميًا ، يافعيًا في أصوله هنديًا في نشأته لكنه لم يكن كويتيًا ساعة من الزمان اللهم إلا ساعة نشر تلك الصحيفة المصرية .
   لا شك أن الأمر يعود – كما أرى – إلى خلل في القراءة لنص الخبر المأخوذ من وكالة أنباء عدن كما رمزت لها الصحيفة بأحرفها الأولى ( و.ا.ع ) ، حيث كان الخبر في تصوري مكتوبًا باللغة الإنجليزية إذ كانت عدن آنذاك مستعمرة إنجليزية . ومنشأ الخلط أتى من تهجي كلمة لقب ( القعيطي ) التي تصبح مشابهة بأحرفها الإنجليزية كما لا يخفى لكلمة ( الكويتي ) ، وهو خطأ معهود في قراءة أسماء الأعلام للأشخاص أو المناطق من لغة لأخرى حيث تصبح تلك الكلمات وكأنه خلقت خلقًا آخر ، وكان من أطرفها في حضرموت ترجمة منطقة ( برع السدة ) إحدى أحياء مدينة المكلا القديمة من هجائها الإنجليزي إلى منطقة ( بر السادة ) !!
   ومثله حدث مع تلك الصحيفة حيث استحال ( القعيطي ) إلى ( الكويتي ) ، فتصرف فيها محرر الخبر إذ فهم من تلك الكلمة أن السلطان المغفور له كان كويتيًا ، ولعله كان يظن أن عدن والمكلا مدنًا تابعة للكويت ، والحقيقة أنه لم يبعد كثيرًا إذا أخذنا في الاعتبار أن تلك المناطق الثلاث كلها كانت جميعًا حينها يجمعها التاج البريطاني .

تاريخنا من الإرشيف المصري : حفل تنصيب شاعر حضرمي أميرًا للشعراء

   بعد وفاة أمير الشعراء أحمد شوقي في مصر بايعت بعض البلدان المتميزين من شعرائها إمارة الشعر ومن بينها اليمن حيث بويع الشاعر محمد محمود الزبيري في صنعاء أميرًا للشعراء ومثله الشاعر محمد عبده غانم في عدن ، أما حضرموت فتميزت بأن بايعت أحد شعرائها بتوصية من الشاعر أحمد شوقي نفسه الذي أقبل على الشاعر المتوج مع رائد الشعر الحضرمي الحديث أبي بكر بن شهاب فبايعاه بإمارة الشعر وهو الشاعر السيئوني سقاف بن محمد بن طه السقاف .
   لم تكن تلك المبايعة سوى حلم رآه ذلك الشاعر في منامه ، فما أن قصه على أقرانه من شعراء سيئون حتى التفوا حوله وأبوا إلا أن يصدقوا له رؤيته فأقاموا له حفلاً في ناديهم الأدبي وبايعوه أميرًا للشعراء مبايعة لا تخلو من روح الدعابة وقيلت خلالها الكثير من الأشعار ، لكن اللطيف أن تصل أخبار تلك المبايعة إلى مصر وتكتب عنها وتوثقها الصحافة المصرية ممثلة في صحيفة ( الدفاع الإسكندراني ) التي كانت تصدر في مدينة القاهرة ، وذلك في عددها (العاشر) الصادر بتاريخ 26/1/1942 ومن ما جاء في الخبر :
   " السيد سقاف بن محمد بن طه بن محسن السقاف من أدباء حضرموت وشعرائها...قص علينا أنه رأى أمير الشعراء أحمد شوقي بك والسيد أبا بكر بن عبد الرحمن بن شهاب الدين بايعاه في حفل مختلط من المصريين والحضرميين بالإمارة على الشعر ، وعلى استيقاظه من منامه وأحلامه بادر إلى إنشاء هذه القصيدة على ضوء مصباح ضئيل :
             دعوني  أمثل في  المحافل  موقفي     وأصغ لروح الشعر إن كان مسعفي
             وأعزف بعود الشعر نغمات حكمة      لترقص  عشـاق القصـيد  لمعزفي
             أجدد  معنى أو أخلد  حكمـة      تسير مسار الشمس في كل موقفي
             أنا ملك الأشـعار لست مقلداً      ولست  بتوليد  المعاني  بـمسرف
             أطير  لإدراك  المعاني إلى  السما      وأهوي  لأصداف  البحور  بمغرفي
             فلا تعجبوا إن كنت بالشعر معجباً    فإني عجـيب  بالبيان  الـمثقف
            أرى الشعر في شعري أرى الشعر في يدي    مطيعاً كطوع الوعد في خاطر الوفي
             وكيف ولي رؤيا بفجـر رأيتها       تؤيدني  فيما ادعـيت  بـموقفي
             رأيت  أمير الشعر  أتحفني الولا       وبايعني في النوم ، أكرم بـمتحف
             بحفل به من حضرموت  عصابة       ومن مصر أبناء البيان الـمزخرف
وما كاد يذيع هذه المبايعة بين أصحابه حتى داعبه جماعة منهم مداعبة شعرية منهم السيد محمد بن حسن بن علوي السقاف والشيخ عمر بن محمد بن محمد باكثير...وفي مصر يقول صديقه السقاف المعروف :
إذا كان شوقي والشهابي تسـارعا     لبيعة سقاف أميرًا على الشـعر
فقـد كان كـفؤًا في أمارته  التي     بها الشعر يزهو في كثير من الفخر
ومن غير سـقاف خليق بعرشـه     وهل مثله في الناس يـجدر بالأمر
تراه إذا ما جيش الشــعر دافعًا     جحافل يتلو بعضها البعض كالقطر
ويا ليتها في الصحو كانت ولم تكن     كأضـغاث أحلام تمر مع الفجر "
   ولعل المقصود بهذا السقاف المعروف الشاعر والمؤرخ عبد الله محمد بن حامد السقاف الذي كان يحظى بمكانة عالية بين صفوة المثقفين في مصر التي لبث فيها من عمره نحو ثلاثين عامًا وخدم الثقافة الحضرمية خدمة جليلة بكتابه الغزير المادة والعظيم الفائدة ( تاريخ الشعراء الحضرميين ) .
   أما هذا الشاعر الحضرمي الحالم والمتوج فهو من مواليد مدينة سيئون وتوفي غريبًا في مكة المكرمة سنة 1392هـ ، وأقيمت حفلة التتويج له في رجب 1360 هـ ، في نادي القلم في سيئون التي كانت تعد مع تريم آنذاك حاضرتين حاضنتين للنهوض الثقافي لا في حضرموت وحدها بل في المشرق العربي والإسلامي ، وهما اليوم تستعيدان تلك المكانة الفاخرة بشهادة الغريب قبل القريب .

رسائل لترتيب البيت الحضرمي

رسالة إلى إصلاحيي حضرموت
   أنتم فاعلون ، أنتم نشيطون ، أنتم منظمون ، لكن يعيبكم أنكم إنما تفعلون ما تؤمرون ، وتنشطون في الوقت الضائع ، ومنظمون في هيئاتكم الإدارية لكن مشوشون في أفكاركم مرتبكون في خططكم ، اسمعوا مني هذا القول ، فإن الناس تنظر إليكم كما ينظر الطير إلى الحب ، وكلهم يعلم أن فيكم أمورًا تهيئكم للعب دور في الظرف الراهن إذا فقهتم طبيعتها ، تلك هي مصداقية أخلاقية نابعة من شخوصكم ، والتحام مطلبي مع جماعة الحراك ، ونفس طويل في لين التعامل مع رموز السلطة المحلية ، وعلاقات جيدة ، ولو ظاهريًا ، مع فئات المجتمع المختلفة ونخبه .
   الجميع يعلم أنكم الآن تلعبون حسب عادتكم لعبتكم السخيفة في تقليد مشايخكم في صنعاء التي ستخسرون بها هذه المرة بالذات كل أوراقكم الرابحة ، ستفقدون مصداقيتكم عند عامة الناس وخواصهم ، وعند حلفائكم من حراكيي حضرموت أو ما بقي من توافق معهم ، ثم عند السلطة المحلية التي تقف منكم هذه اللحظة موقفًا بين السخرية والحيرة .
   وهنا أريد وضع حقائق أمام أذهانكم لعلها تسرع في فهمكم لما أريد قوله لكم : اعلموا يا أحبائي أن ما يحدث في حضرموت أيًا كان شأنه لا يؤثر في المركز لا في قليل ولا كثير فمهما اعتصمتم مطلقين حناجركم مطالبين بإسقاط النظام ، فإنها ضائعة عند هدير المدن المحيطة بذلك النظام ، وهو لن يفرح أبدًا إذا رجعتم إلى بيوتكم عن بكرة أبيكم ، لقد علمتنا الأحداث الماضية أن الحبكات تتم بعيدًا عن حضرموت والحضارم ، ثم ننتظر الصافي لنسلم المفاتيح للمنتصر الذي لا يجد فينا غير الفراغ .
   واليوم لا أنتم ولا غيركم يدري ما تحمله مفاجآت الأيام القادمة من تطورات ومفاجآت طبعًا لن تكون اعتصاماتكم هذه مؤثرة فيها أو موجهه لها فنحن نعلم أنكم معتصمون وكفى وإذا سئلتم وماذا بعد ، ما الخطوة التالية ، ما أفق حركتكم فيها ، لحرجت صدوركم ، فضلاً عن أن تسألوا عن دوركم في ما يجري من مشاورات ومساومات ، فهل الحكاية عندكم هي إسقاط واجب وتقليد أجوف ، إذا كان الأمر كذلك وهذا هو دوركم مع شركائكم في هذه اللحظة المفصلية فما أبردكم وما أبلدكم .
   لكن لأنني أتعشم فيكم صدقًا في المحاولة فأسألكم أن تغضوا اليوم الطرف عن انتماءاتكم الحزبية ، ولا أقول تستقيلون ، بل بهدف إضفاء شعبية وحيوية على حراككم بعيدًا عن الالتزام بقيود الولاءات الضيقة ، ثم تسعون لتشكيل مجموعة ضغط تكونون أنتم نواتها ، ثم تتصلون بالحراكيين وبمنظمات المجتمع وشخصياته الفاعلة لخلق حركة احتجاج يكون قاسمها المشترك صياغة مستقبل حضرموت وملأ الفراغ للتصدي لإحدى احتمالين إما حدوث انفلات في البلاد كما حدث في ليبيا فتكونون مستعدين له لضبط حضرموت من مخاطره بالتنسيق مع السلطة المحلية التي تتقنون التعامل معها ، أو رجوح كفة منتصر ما تحت راية اليمن أو تحت راية الجنوب فيأتي فلا يجد فراغًا يملأه بأقدامه وأقزامه .

رسالة للمثقفين ومنظمات المجتمع وشبابه في حضرموت
   أنتم ضمير الأمة ، أنتم بصرها وبصيرتها ، امتشقوا أقلامكم ، واستعملوا مجموعاتكم في بلورة خارطة طريق تستضيء بها القوى السياسية والشبابية المتحركة على الأرض ، لتقويم مسارها ، وإنارة رؤاها ، وترشيد أهدافها ، بما تمتلكونه من علم وفكر ومكانة ، ثم التحموا بها وساندوها ، وإن استطعتم امتلاك المبادرة فافعلوا ولا تترددوا .

رسالة للقيادة الشابة وللعقلاء في السلطة المحلية
   نحن لا نشكك في إرادتكم لخير موطنكم ومواطنيكم ، ولا نطلب منكم استقالات بقدر ما نطلب الارتفاع عن ضيق الحزبية إلى سعة الوطن ، فاجعلوا سلامة مواطنيكم نصب أعينكم ، واعلموا أن قوة الحاكم الحقيقية هي في تقدير مواطنيه له ، أدركوا أن ضغط المواطنين ليس موجهًا إليكم فلا تخافوا ولا تحزنوا ، بل استفيدوا من ذلك الضغط لتنظيف باحتكم ، وتقليم المخالب ، والارتفاع ، على الأقل ، إلى سقف ما ترونه بأنفسكم مشروعًا وعادلاً من مطالب مواطنيكم .

***
   وأخيرًا يا بني حضرموت ، من استطاع منكم القدرة على أمر فليعمله ، لكن مع بعضكم تعاملوا ، وفي جهودكم تكاملوا ، يصلح حالكم وتجنوا الخير الكثير ، وإن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض .. وفساد كبير .

الجمعة، 4 مارس 2011

خيارات حضرموت

   الوطن يموج من أقصاه إلى أقصاه ، فماذا نريد نحن الحضارمة ، هل بقي لدينا ذرة وقار لموطننا الحضرمي الحضاري ، ننتظر الآخرين ماذا يقررون له ، ننتظر وحي صنعاء أو عدن ، أما زلنا نحن الحضرميين مفعولاً بنا ، مسيرين لا مخيرين ، ننتظر من غيرنا قول ( ولا الضالين ) لنهتف بآمين ، ندور حول قضية تسمى جنوبية ونحن لا ناقة لنا فيها ولا جمل للعودة لإسار عدن ، أما كنا مستضعفين ومشلولين إبان حكم عدن الذي أساء بصورة متعمدة وفجة لحضرموت سكانًا ومكانة ، هل نعلم أن كثيرًا مما نصاليه اليوم هو من توابع ذلك الحكم وأذياله .
   ماذا لو عدنا إلى دولة ما بعد 67 هل ستعود اندماجية بيننا وبين عدن ونخضع رقابنا لها باسم الجنوب كما كنا باسم اليمن ؟ وأي ثقافة ستكون المهيمنة على الدولة المزعومة أو المقترحة ، لقد دمرت ثقافتنا وهويتنا لصالح يمننة الجنوب كما يزعمون ، واليوم ماذا سيفعل بنا من أجل الجنوبة ، أليست الثقافة الحضرمية هي التي ستكون سائدة في الجنوب المنتظر إذا نؤي به عن اليمننة ، وهل سيعترف لنا بذلك أم سنشهد حملة من نوع آخر لوأد ثقافتنا أو لويها لصالح تشكيل ثقافة جنوبية لا أدري كيف ستصاغ ؟
   إننا نريد لحضرموت السيادة لنفسها لأبنائها ولثقافتها وهويتها ، ولا يهمنا كيف سيتحقق ذلك ؟ هل في إطار دولة جنوبية أو إطار دولة يمنية أو حتى في إطار دولة حضرمية مستقلة . يجب أن نرفض كل أنواع التبعية الإلغائية المقيتة تحت أي شكل وأي مسمى ، لذا علينا أن نكون حاضرين وباستقلالية تامة في رسم مصيرنا في أي إطار كان ، حتى لا يصدق علينا قول جرير :
              ويقضى الأمر حين تغيب تيم     ولا يستأذنون وهم شهود
   إن علينا أن نرفض مقولة فيدرالية الإقليمين لأنه سيضعنا في وصاية أحدهما بل يجب أن نشكل في حالة الاتفاق على الفيدرالية إقليمًا شرقيًا يشمل المخلاف الحضرمي ( المهرة ، حضرموت ، شبوة ) ، وفي حالة الدولة الجنوبية أو اليمنية يجب الضغط والسعي بصورة واضحة ومعلنة للمحافظة والاعتراف من أي الطرفين ( الجنوبي الخاص أو اليمني العام ) بحق الحضارم في حكم أنفسهم والاعتزاز بثقافتهم وهويتهم والاستفادة الأولية من مقدرات ومؤسسات منطقتهم ، وتجريم أي محاولة للطعن في وطنيتنا أو تناول مطالبنا المشروعة بصيغة الارتياب ، فذلك الطعن وهذا الارتياب دفع الحضارمة ثمنًا غاليًا من جرائه في حكم كل من الدولتين الجنوبية السابقة واليمنية القائمة .
   إن أي ترتيبات تتم بغياب الحضور الحضرمي وتغمط فيه تطلعات أبناء حضرموت سيسبب نكسة مروعة جديدة ربما تفوق ما حدث في خريف 67 ، عندما خضع أبناؤها للوحي العدني ، لذا ينبغي اليوم مع هذا الحراك الوطني من المشاركة والتميز في صنعه وتوجيهه دون تبعية لأي وحي جديد من أجل ضمان مستقبل أفضل للجيل الحاضر والأجيال القادمة وإلا لعنتم كما فعل بأشياعكم من قبل .
    كل هذا يدفعني لأن أناشد عقلاء العمل السياسي في حضرموت في السلطة والمعارضة والحراك ، لا تنتظروا ما سيقرره أو يوحي لكم به الآخرون ، بل حددوا خياراتكم ، واعرفوا تطلعاتكم ، واعتبروا مما مضى على ناسكم ، وساهموا مساهمة حقيقية في رسم مستقبل أبنائكم ، أبناء حضرموت .
مقتطف من خطبة الأحنف الحضرمي :
أيها الحضارم ، اسمعوا وعوا ، وللعزة تطلعوا ، وبالفتات لا تقنعوا ، ابصروا ما هو آت ، ولا تكونوا كشعب مات ، إن الأمر اليوم لجلل ، وخير الكلام ما قل ودل ، فاسعوا لما فيه خيركم ويحقق الرفاه ، والسلام عليكم ورحمة الله .

وحدة اليمن .. ووحدة الوجود


لقد قدم اليمنيون وحدتهم بوصفها نواة للوحدة العربية .
فهي إذن أي الوحدة اليمنية وحدة نووية أو فلنقل وحدة نواتية .
فما العبرة التي يجب أن تصل إلى العرب عامتهم ومثقفيهم وأئمتهم من تلك الوحدة ؟
وكيف ينبغي أن يفهم إخواننا العرب ما يجري في جنوب وشرق اليمن .
حتى يصلوا إلى إحدى حقيقتين لا ثالث لهما :
   أن ما يجري ناتج عن خطأ كبير وغبن عميق فيساعدوا اليمن على تصحيح الرؤية ومن ثم تصحيح العلاج أو تصحيح المسار للجميع لكافة أشكال العمل السياسي ولجميع اللاعبين والمؤثرين في الساحة اليمنية .
   أو أن يربعوا على أنفسهم ويعلموا أنهم في نعمة كبرى اسمها التجزئة والقطرية وكل ما كانت أكثر فتاتًا كل ما كان ذلك أكثر خيرًا لساكنيها حيث يكونون بعيدين كل البعد عن عقد الوساوس الوطنية .
   وإذا لم تصدقوا فالمثال ماثل في جزيرة العرب بين منطقة الخليج المجزئة والمنطقة اليمنية الموحدة أيهما الأوفر غنىً والأنعم معيشة .
   وليعلموا أنه إذا غابت الهوية الوطنية الحقيقية عن أي خطوة وحدوية أو اعترتها الضبابية فقد فقدت شرعيتها الوطنية ، وحلت بدلاً عنها مفاهيم الاختزال والحلولية ، اختزال الوطن الكبير في جزء منه يصبح كالنموذج الذي يجب أن تتماثل به سائر الأجزاء شاءت أم أبت ، أو ينظر ذلك الجزء ( النموذج ) لسائر الأجزاء كالتوابع يجب أن تدور في فلكه ، إنها وحدة يراد لها أن تكون أشبه شيء بما يسميه أهل التصوف بوحدة الوجود أو الحلولية ، وحدة أنا أنت وأنت أنا ، وحدة الفناء في الآخر الأعلى أو الأقوى .
  
    وفي وحدة بتلك الصفات أو بتلك الشطحات تصبح الأجزاء أو التوابع محط ريبة مستديمة وعليها أن تجتهد دومًا في إظهار الولاء والوفاء ، وأن تبقى أبد الدهر في حالة نقص وحاجة حتى تنفي عن نفسها أي ريبة للتفرد أو الانفصال أو الاستقلال ، وهنا يكمن جوهر القضية التي مظاهر الاحتجاجات - ما ظهر منها وما بطن - ما هي إلا أبسط إفرازاتها .

   لقد تحولت وحدة اليمن من وحدة نواتية كما أريد لها إلى وحدة مناطقية ، ، وحدة تفرض فيها جهة خصائصها وعاداتها على سائر الجهات ، وحدة يراد فيها تذويب أو تغييب الأقلين عددًا لصالح الأكثرين عددًا ، وحدة جعلت ساكني نطاقها يتقلبون بين الكره والشماتة لبعضهم بسبب أخطاء ولاة الأمر فيهم ، فلا يمكن أن تصبح نموذجًا لما يطمح إليه العرب ككل من وحدة قومية ، أليس هو هذا ما يخشاه كل قطر عربي الآن من هكذا وحدة وهي الأقطار التي لا تنفك تمجد ذواتها مهما صغر حجم القطر وقل ساكنوه .
   إنه يجب ألا يغيب عن البال أن المجتمع الذي تتشابه فيه الجماعات كل المشابهة هو مجتمع آسن لا تغيير ولا تبديل في أوضاعه لفقد دواعي الشبه والتقبل والمحاكاة بخلاف ما إذا كان هناك شيء من التنوع لا يمس التجانس الواجب فهذا التنوع أدعى إلى التنشيط والتشجيع على تبادل المزايا والصفات .
   فيأيها العرب – ولاسيما الجيران منهم - افهموا ما يحصل بيننا نحن اليمنيين اليوم لأخذ عبرة وطنية وقومية ، ولمد يد الإنصاف لليمنيين لعلكم تنقذونهم من مصير أسود محتوم .
اختبار قصير
ضع خطًا تحت الإجابة الصحيحة مما يلي :
قال الله تعالى : " وجعلناكم شعوبًا وقبائل " : 1- لتتوحدوا ، 2- لتندمجوا ، 3- لتعارفوا
حظًا موفقًا للجميع في كل الجهات .
تحية خليجية
أهلاً بكم يا خليجيون من خليجكم إلى خليجنا .

حضرموت بين رفاقين

   حضرموت: 30/10/1989 لا اختلاط بعد اليوم ، حضرموت 24/3/1990 لا فلسفة بعد اليوم ، بهذين الشعارين انتفضت حضرموت على رفاقها بحركة طلابية وثورة شبابية عارمة لم تجد حتى الآن من يؤرخ لها أو يحتفي بذكراها .
   إنها الثورة السباقة التي أطاحت بعرش الرفاق واضطرتهم للرحيل شمالاً إلى صنعاء في صيف 1990 ، حتى إذا ما هدأ روعهم والتقطوا أنفاسهم إذا بهم يدخلون البلاد بجهاتها الأربع في أتون حرب الاسترداد ، لاسترداد جبروتهم على حضرموت والمناطق المجاورة لها .
   هزم الرفاق ، لا بقوة البندقية الشمالية ، بل بقوة الرفض الحضرمي الذي استهانوا به ، لكن بقيت منهم بقايا ما زالت تعيث في حضرموت فسادًا وتزيدها سوءًا وكسادًا .
   فهناك رفاق السلطة الذين يبغضون الشعب ويبغضهم ، ويعرفون أنهم ماكثون على رقاب إخوانهم الحضارم ببركة الأصوات الشمالية التي تعيد إنتاج الحزب الذي ائتمنهم على مفاصل الدولة بالمحافظة ، فنرى بعضهم يسيئون إدارة بعض مكتسبات ما بعد الوحدة ويعطلون فاعليتها أو يحولونها إلى مكتسبات شخصية ، وآخرون ذوو شخصيات ضعيفة و( معقدة ) لا تعكس نبض الشارع الحضرمي الطموح من ناحية والمتألم من بعض الظواهر التي تنكد مساره وتعيق نهوضه من ناحية أخرى .
   وعجزت الأصوات الحضرمية التي اتجهت إلى المتدينين من إخوانهم الإصلاحيين فلم يخلصوهم من مبغضيهم وأنى لهم ذلك وهم قد دخلوا في صداقات مع هؤلاء الرفاق رغم أنف مواطنيهم تقليدًا لمشايخهم في صنعاء .
   وهناك رفاق فك الارتباط الذين أساءوا توجيه الحراك الشعبي في حضرموت وما جاورها الذي نتج عن سخطهم على إخوانهم من رفاق السلطة وعلى المتدينين الذين استجابوا للوحي الصنعاني بدلاً عن الوحي الرباني .
   وحرفوا هذا الحراك عن مطالبه الشعبية المشروعة التي كان بالإمكان أن تتحقق لولا أنهم أداروها إلى مطالب رفاقية تحلم بأمجاد سابقة من التسلط والجبروت على أبناء حضرموت .
   وهكذا فإن النبتة الرفاقية هي غراس خبيث حيثما حلت ويجب تنحيتها عن الحياة العامة في حضرموت حتى تستطيع أن تستهدي سبيل سيرها ، يجب أن يتنبه إلى هذا – برأيي – كل من السلطة والمعارضة على السواء ، وإن كانت السلطة في حضرموت قد بادرت ببعض الوجوه الشبابية كالديني والعمقي لكن نريد أن نرى أمثال هؤلاء الشباب الجدد في المفاصل الأخرى .
   وعلى أولياء الأمر في صنعاء أن يفهموا أن الوحدة هي نتاج غضبة حضرمية ضد الرفاق وأن الحراك الشعبي الحالي هي غضبة على رفاقهم لهذا ينبغي لها الآن أن تعيد حساباتها مع رفاق المركز والفروع والنأي عن الغمز في وطنية الناس .
   والآن ينبغي أن يتطور الحراك الشعبي في حضرموت ومن شاء معها في المناطق المجاورة فيقوده شباب خال من العقد الشمالية والرفاقية وأن يرفع شعار لا شمالي بعد اليوم ( رفضًا للتسلط وليس للوحدة ) وبجانبه شعار لا رفاق بعد اليوم .
أبيات لشاعر حضرمي

جميع الورى قاموا وهبوا من الكرى     ومن عجب أن الحضـارم نوّم
وإنّ تلافي  حضـرموت  لواجـب     علينا وإن  تركـها  لـمحرّم
إذا لم نقـم في نفعـها وصـلاحها     فعما قليل  سوف  تفنى وتعدم
وكل فـتى منـا  عليـه نصـيبه     وواجبنا  القومي  علينا  محتـّم
فتبًا  لمن يرضـى بعيـش مكـدر     يبيت  ويمسي  شـاكيًا يتـألم
وما غرضـي  إلا الأداء  لواجـبي     ويا قوم  عفوًا والسلام عليكم

من آثار العقدة الشمالية في مقررات التعليم

 
   لقد شكلت لجان وضع مناهج التعليم من شخصيات تنتمي أغلبها أو جميعها إلى شمال اليمن وهم متلبسون بالعقدة التي أشرنا إليها في المقال السابق أي العقدة الشمالية التي لا يزال حاملوها يعيشون بقلوبهم وعقولهم في يمن الإمامة ولا يرون اليمن إلا في كل ما هو شمالي . ونقف هنا عند بعض نصوص واردة في ما يتعلق بالتاريخ في مقررات ( وزارة التربية والتعليم ) للإشارة فقط ، وهي الوزارة التي ملأت آذاننا ضجيجًا عن الوطنية والولاء الوطني بينما هي في الحقيقة أول مصدر لتفريخ الولاءات الضيقة والتشطير والجهوية والمناطقية فضلاً عن الجهل بحقيقة التاريخ الوطني العام لليمن أي اليمن بمعناه الواسع الكبير وليس اليمن بمعناه الشمالي الصغير .
   فعلى سبيل المثال كان واضع مقرر التاريخ للصف التاسع شديد التحمس لما كان يسمى بـ( الدولة القاسمية ) الأمر الذي أوقعه في مغالطات وتناقضات تاريخية واضحة ، فنجده يقول في سياق حديثه عن تحرير اليمن من الوجود العثماني :
   " تمكن الإمام المؤيد من الاستيلاء على صنعاء وكوكبان وثلا وإب وتمكن أخوه إسماعيل من الاستيلاء على تعز ويافع وعدن ولحج وأبين وحضرموت وواصل الإمام محمد بن القاسم تعقب العثمانيين حتى تم إخراجهم من اليمن " صـ 90.
   فهذه العبارة تصور هؤلاء الأئمة وكأنهم أبطال التحرير وحدهم من غرب اليمن حتى شرقها - وهذا غير صحيح تاريخيًّا – وأن الإمام إسماعيل قد استولى على حضرموت بعد أن طرد بني عثمان منها وهذه مغالطة مكشوفة لأن سلاطين بني كثير كانوا هم المسيطرين حينها على حضرموت وقد أتى إسماعيل إليها بطلب منهم بعد رحيل العثمانيين من الشمال بربع قرن ، وهو ما تدل عليه هذه العبارة الأخرى التي يكذب واضع المقرر فيها نفسه :
   " عادت المعارك بين الجانبين { الأئمة والعثمانيين } بزعامة الإمام المؤيد بن القاسم مما أدى في الأخير إلى طرد الأتراك من اليمن عام 1635م وبهذا كانت اليمن أول ولاية عربية تتخلص من الحكم العثماني وتحققت للدولة القاسمية الظروف المناسبة لتوحيد اليمن فيما بعد لعقود من الزمن " صـ 80 . وطبعًا لاحظ كلمة ( فيما بعد ) .
ثم يقول واضع المقرر :
   " كانت اليمن أول ولاية عربية من الولايات العثمانية في الوطن العربي تحقق استقلالها عن السيادة العثمانية وإنهائها الحكم العثماني الأول قبل مجيء القوى الأوروبية الإستعمارية . وكان اليمن (في الشمال منه ) من البلدان العربية القليلة التي لم يتمكن الاستعمار من دخولها في فترة عنفوانه وشموله كافة أقطار الوطن العربي " صـ 112.
   لاحظ أنه في هذه العبارة – في مقرر دولة الوحدة - قد وصف ( الشمال ) بأنه بحد ذاته بلد عربي ، لا بل هي تفاخر بالانفصالية إذ كيف نفاخر على البلدان العربية الأخرى بأن بلدنا ( اليمن ) لم يستعمر أوروبيًا لأن شماله لم يطرقه المستعمر الأوروبي وإنما فقط غزا واحتل جنوبه وشرقه وغربه ، أهذا أمر منطقي أم يدل على أثر ( العقدة الشمالية ) عند واضع المقرر ، علمًا أن الإنجليز قد احتل مدينة الحديدة ثم سلمها لحليفه الإدريسي ، كما احتل جزيرة كمران ، وبهذا يثبت واضع المقرر أنه ليس انفصالياً فقط وإنما هو أيضاً إمامي النزعة والهوى .
   وإذا رجعنا إلى عرض مقرراتنا عن التاريخ القديم فلا نجد إلا حديثًا عن حضارة سبأ وبلقيس والجنتين ، وإغفال الحديث تمامًا عن حضارة إرم وعاد في الأحقاف والتي هي جزء من المنطقة الشرقية لليمن ، ومثله إغفال ذكر حركة عبد الله بن يحيى الكندي الملقب طالب الحق التي انطلقت من حضرموت ثم شملت سائر اليمن ، وإغفال الحديث عن الدولة الكثيرية الأولى التي لها حضور مهم سياسيًا وعلميًا في التاريخ الوسيط لشرق اليمن .
   وإذا أردت مثالاً من التاريخ المعاصر فانظر إلى هذه العبارة من كتاب ( مجتمع يمني ) المقرر على الصف الأول ثانوي حيث تقول :
   " ولما كانت اليمن في تلك الفترة تعيش حالة جهل وتخلف بسبب الحكم الإمامي فقد كانت بمنأى عن التطوارت العلمية والتعليمية التي يشهدها العالم " ص 13
   هل هذا الكلام يصدق على غير الشمال أم إن الحكم الإمامي قد امتد إلى الجنوب وإلى حضرموت ونحن في غفلة من أمرنا ، أو ربما باتفاقيات سرية مع الإنجليز والسلاطين ، كله جائز عند أصحاب العقدة .
   وهي عبارة ذكرتني بكلام لطيف لأحد أدباء الشمال ، وهو من واضعي مقرراتنا ( المعقدة ) ، حينما تناول في كتاب له أبياتًا شعرية لأحد أبناء مدينة الشحر الحضرمية هو عبد الله الملاحي ( ت 1989 ) يتحدث فيها عن معاناة فلاح وزوجته من بعض ملاك الأراضي ، فقال معلقًا على أبياته :
   " يتألم الشاعر عبد الله عبد الكريم الملاحي لمزارع وزوجته بذلا جهدًا ووقتًا في الكدح والمعاناة طيلة العام فلما جاء وقت الحصاد رأيناهما يجودان – مضطرين – بكل ما حصداه إلى جباة الدولة ويقدمانه لقمة سائغة لجنود الإمام " .
   فما ندري هل الشحر مدينة ( شمالية ) أو أن جنود الإمام ابن حميد الدين قد دخلوا المدينة على حين غفلة من أهلها ؟ ، ننتظر الجواب من آل الشحر .

لا شمالي بعد اليوم .. شعار أسيء فهمه

   طفقت السلطة الحاكمة على المستوى المركزي تبعث رسائل عن الوطنية وعن الولاء والوفاء موجهة في الأساس لمواطني المحافظات الجنوبية والشرقية على خلفية المظاهرات الشعبية وما يردد فيها من شعارات ذات مغزى ولاسيما شعار ( لا شمالي بعد اليوم ) .
   ثم نرى السلطات المحلية لتلك المحافظات لا تفتأ تردد بصورة ببغاوية تلك الرسائل فلا نسمع أحدهم وهو يزور مدرسة أو يخطب لمناسبة إلا وهو ينثر عظاته الوطنية للمواطنين الذين بينهم أهله ومعارفه ورفقاء عمره دون ذرة حياء من غمزهم بالقصور في مبدأ الوطنية ، وكأن الوطنية باتت حكرًا على جهات معينة دون غيرها .
   مع أن التظاهر والتعبير عن السخط عن الأداء الحكومي والوضع العام هو عمل يتماشى مع الدستور ويعد بحد ذاته عملاً وطنيًا ، وكم من شعوب تتظاهر في بلدان بلغت شأوًا في نهوضها التنموي فلا ترى حكوماتها تلمزها بقصور الولاء أو قلة الوفاء ، وإن بسطاء الناس حين تتظاهر بصورة عفوية فلا ننتظر أن تأتي بالشعارات المنمقة والمفصلة بل هي تنطق بأبسط ما يوصل رسالتها للمعنيين ويشير لهم بالمقصود الذي لم يعد يجهله الصغير قبل الكبير .
   ومن بينها شعار ( لا شمالي بعد اليوم ) الذي ظهر في حضرموت منذ صيف 1996 أيام مظاهرات ( الضوراني ) الذي صار رمزًا لكل مسئول يأتي من خارج المحافظة وهو لا يكن احترامًا لأهاليها ولمكانتها الكبيرة في الوطن ، ولا ينظر إليها إلا بقدر ما يحقق مصالحه الخاصة التي لا علاقة لها بالوطنية من قريب ولا بعيد .
   إن شعارات الناس البسطاء ينبغي أن ينظر إليها وأن تفهم في إطار سياقاتها وما تعبر عن حالها ، فهي إذ تردد ذلك الشعار تراها تتعامل مع ( الشمالي ) بكل أنواع التعاملات من بيع وشراء وتأجير ومقاولات ، فضلاً عن الصداقات والتخزينات بل المصاهرة .
   لكن كل طرف سياسي فهم من تلك الشعارات ما يخدم أجندته السياسية فجماعة السلطة فهموا منه تمردًا على الوحدة الوطنية ، أو فسروه على هذا النحو ليتخذوا ذلك غطاء على عوراتهم غير الوطنية التي أسخطت الشارع ، ولتحقيق مزيد من مكاسب المزايدة والنفاق للمركز على حساب مواطنيهم ، وكان بإمكانهم تقديرًا لما يحتلونه من مسئوليات تجعلهم أقرب وأوثق من أصحاب القرار والنفوذ أن يلهجوا بحقيقة معاناة أهاليهم والضغط في هذا الاتجاه ، لكنهم يعرفون ما ينقصهم .
    أما جماعة الحراك الذين التقطوا ذلك السخط وتبنوا تلك الاحتجاجات وبلوروها في ما يسمى بالقضية الجنوبية ، فهم بدورهم أساءوا فهم مراد مواطنيهم فولجوا بهم في متاهات فك الارتباط واستعادة الدولة ، مع أن هؤلاء كان أكثرهم من دعاة تصحيح مسار الوحدة ولم يكن أحد يسمع لقولهم ، فلما احتشدت الجماهير أبوا إلا حرف مسارها ومن ثم الإساءة إلى شرعية مطالبها وحقها في التظاهر ، بل أعطوا خصومهم الذريعة لقمعهم والتشنيع بهم في منأى عن اللوم .
   أما المجموعة المشتركة في اللقاء المشترك فهم مشتركون كذلك في سوء الفهم ، لكنهم اشتركوا مع السلطة في ناحية ، واشتركوا مع جماعة الحراك في ناحية أخرى ، وزادوا عليهم عدم قدرتهم على قيادة وتوجيه تلك الاحتجاجات الشعبية منذ بدئها أو استغلالها الاستغلال الأمثل لصالحها كمعارضة رسمية ، ومن ثم صاروا مشتركين في حيرتهم بين مطرقة السلطة وسندان الحراك .
تتمّة :
اليمن في الشراك
في الجنوب حراك
وفي الشمال عراك
والسياسيون في عكاك
فأين المفر ..
ومتى الفكاك ؟

القضية ( الإصلاحية )

   تخبطت مواقف إصلاح حضرموت منذ نشأته بتأثير من تخبط المركز الصنعاني الذي يدور في فلكه وهو المؤلف من جوقة شمألية لا تعرف عن الجنوب سوى أنه حديث عهد بنطق الشهادتين ، فبينما إصلاح حضرموت يتحفز للانقضاض على الاشتراكيين ( غرماء رموز إصلاحيي الجنوب قبل الوحدة ) أينما وجدوا سواء من انضم للمؤتمر أو بقي في الاشتراكي إذا به يضطر لمداهنة ثم مصادقة من ائتمروا منهم اتباعًا لسياسة إصلاح المركز الذي تجاهل اختلاف أحوال الفريقين ، ومع ذلك كظم إصلاحيو حضرموت غيظهم واشتركوا في لعبة التحالف والتنسيق مع المؤتمر وعناصره الاشتراكية .
   ثم تحولت الموجة وإذا هو عدو لدود لنظيره المؤتمري لا لشيء إلا لأن المركز الشمالي استحسن تلك العداوة لحسابات ليس من بينها أي اعتبار لأذياله الجنوبية ، وإذا به يتحالف مع الاشتراكي لتسارع تلك الأذيال بالالتواء على بقايا الاشتراكيين في الجنوب محتضنة لها لتنتقل من مصادقة من ائتمروا إلى من بقي على وضعه بعد أن كانوا قريبًا وقريبًا جدًا في خصومة سياسية ودينية معهم قد خصوهم بها دون المؤتمرين ، ولا ننسى هنا دورهم الوطني جدًا جدًا في إفشال مؤامرة مقاطعة الانتخابات في ربيع 97م وهي الانتخابات التي اكتسحها إصلاح حضرموت فلم تزده إلا كساحًا .
   ومع أن معظم أصوات حضرموت ذهبت لحزب الإصلاح ومع أن مجموعة نواب إصلاح حضرموت شكلت نسبة كبيرة من الكتلة البرلمانية للإصلاح إلا أن حضرموت ظلت أهون شيء لدى إصلاح المركز المشمأل هي وأبناؤها ومن بينهم فرع إصلاحها وتذكروا هنا تنسيقات انتخابات 97 ، وظلت في منظوره مجرد غنيمة يجب أن تقهر وتذكروا هنا تصريحات أمينه العام الذي لا أدري كم مرة زار حضرموت ، وأن تستباح أراضيها وتذكروا هنا البرتقالة الشهيرة ، وكل ذلك يجري وجماعة فرع حضرموت لسان حالها جل من لا يسهو . 
   وعندما سقط في أيديها في انتخابات ربيع 2003 انكشف لها أنها مغدور بها من قبل قطبها الشمالي الذي أصابه الشلل واحترقت رموزه وشيوخه الذين كانوا -وما زالوا- ( طارفين ) ، ولأن الفرع الحضرمي وغيره من فروع الجنوب الإصلاحية متكلين تمامًا على الوحي المركزي فقد دخل جراء ذلك الفشل في غيبوبة سياسية حتى استفاق على صيحات الحراك الشعبي الغاضب الذي شمل محافظاتها .
   وهنا انكشف عوار ساسة إصلاح حضرموت في تفسير ما يحدث واتخاذ موقف واضح وصائب منه ، تفسير شابه نقمة أريد لها ألا تظهر على السطح من المركز الشمالي ، وبكل جدارة لم يتمكنوا في توصيف ما يحدث فضلاً عن توجيهه وأنى لهم ذلك وهم الذين شابوا على التلقين والتحكم عن بعد ، ومن ثم غلبت عليهم عادتهم في الانجراف والتبعية فإذا بهم يرددون ما يقال من اصطلاحات وشعارات سياسية دون أن يدركوا فقهها ومغزاها فضلاً عن أن يدركوا وسائلها وغاياتها .
   وما الذي يفهمه إصلاحيو حضرموت عن مصطلح القضية الجنوبية الذي ظهر فجأة على أدبياتهم عن تقليد لا عن أصالة ، وأين كان موقعهم هم في ذلك الجنوب الذي يتقضقضون عليه ؟ وأي جنوب يعنونه الجنوب العربي أم الجنوب اليمني ، بل هل هم يعرفون أين تقع حضرموت نفسها هل في الجنوب أو في الشرق أو ربما هي في الشمال ، أليست لديها حدودًا ومنفذًا مع السعودية مثلها مثل صعدة وحجة وهما طبعًا ليستا محافظتين جنوبيتين لا جغرافيًا ولا سياسيًا .
   وما تقييمهم لمكونات ورموز وأنشطة ما يسمى بالحراك الجنوبي ، وما موقفهم من تعامل النظام الحاكم معهم وما يطلقه عليهم من نعوت ، ثم ما موقفهم السياسي بوضوح من دعوات رنانة من مثل فك الارتباط واستعادة الدولة .
   لعله من الجدير بإصلاحيي حضرموت قبل أن يعالجوا الشأن العام أن يعالجوا ما بأنفسهم ويعيدوا صياغة أدبياتهم وأن يتحسسوا خطواتهم السياسية ما سبق منها وما تأخر ، أن يضعوا لقضيتهم الداخلية خريطة طريق واضحة نستطيع بها أن نعرف لهم موقعًا ظاهرًا ، وعنوانًا بارزًا يهتدي به إليهم أشياعهم قبل خصومهم  .
دعاء
اللهم أصلح من في صلاحه صلاح ( لإصلاح حضرموت ) .

أثر العقدة الشمالية في الثقافة الوطنية

   كان شمال اليمن يتمتع بنهضة علمية وثقافية زاخرة ، بل كان الأول من حيث الحركة العلمية في أقاليم جزيرة العرب حتى صار قبلة لكثيرين من الوافدين من مشاهير العلماء من مختلف جهات العالم الإسلامي ، ولاسيما في فترة تمدد دولة بني رسول التي بلغت من قوتها ومجدها أن أعلن أحد سلاطينها الخلافة الإسلامية في اليمن بعد اكتساح التتار للعراق .
   لكن ابتليت اليمن في عصرها الحديث بوجود أجنبي مزدوج أتى في وقت كانت تتوزعها عدة سلطات سياسية ، أحدهما مكن لنفسه في شمال غربها والآخر ثبت وجوده في جنوب شرقها ، فالأول هم العثمانيون الأتراك الذين كانوا يمرون بأسوأ أدوارهم الأخيرة قبل الانهيار ، والآخر استعمار أوروبي هم البريطانيون الذين كانوا في عنفوان المد العسكري والحضاري لإمبراطوريتهم ، وما يهمنا هنا هو التأثير الاجتماعي والثقافي الذي خلفه كل منهما في قاطني موضع نفوذه .
   وليس بخاف الأثر السلبي الذي أورثه الوجود العثماني على الوطن العربي في هويته وثقافته قبيل العصر الحديث وهو الأثر الذي أطال المثقفون المصريون تصوير جنايته على القلوب والعقول في تلك الفترة ، إلا إن مصر قد نأى عنها العثمانيون مبكرًا حيث طرقها المستعمر الأوروبي ممثلاً في الفرنسيين الذين لا يخفى ما جلبوه معهم لمصر من أسباب التحضر العلمي ، تلاه قيام دولة محمد علي باشا الذي اجتهد في ربط مصر بأسباب التطور الذي كان يعتمل في البلاد الأوروبية .
   لكن شيئًا من ذلك لم يحدث في منطقة الشمال الغربي لليمن ، لا بل نكبت بعد رحيل العثمانيين بما هو أسوأ ، وهو قيام دولة مشوهة منغلقة كرست التأثير العثماني السابق وزادته وبالاً ، فازداد بذلك البون الاجتماعي والثقافي بين شطري اليمن ، وفي وصف ذلك يقول الدكتور المصري طه حسين في معرض حديثه عن الحالة الثقافية في أقاليم جزيرة العرب عند بداية عصرها الحديث :
   " ليس في صنعاء مدرسة ولا فيها مطبعة ومصدر ذلك فيما يظهر إشفاق أهل اليمن من الأجانب وإغلاق أبواب بلادهم في وجوه الأجانب من المسلمين والأوروبيين جميعًا ، ولكن الحضارة الحديثة المادية قد استقرت على سواحل اليمن ولابد من أن تقتحم الأبواب المغلقة " .
   وصنعاء هي حاضرة شمال اليمن ، كما إن المراد بسواحل اليمن مدينة عدن التي هي حاضرة جنوبه ، وحضرموت منها على مرمى حجر .
   والآن أترك إكمال المقال ، لمثقفينا في ( الشمال ) ، ليتحدثوا بأنفسهم عن ما آل إليه الحال ، من تباين ثقافي بتأثير تلك الفترة ، فهذا الأستاذ عبد الفتاح الحكيمي يقول :
   " إن عوامل التجزئة والتفرقة التي كرستها السياسة الاستعمارية لم تكن لتتغلغل في أذهان الناس البسطاء وحدهم بل تجد أن المثقفين كانوا أكثر الناس وقوعًا في هذا المأزق الذي مزق الكيان الجغرافي والفكري على حد سواء " .
   ويبين الدكتور صادق عبده علي قائد في كتابه ( التطور التاريخي للهوية الوطنية اليمنية ) الدور العثماني في إحداث ذلك التباين الفكري بقوله :
   " إن العقلية العثمانية ظلت حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر عقلية إقطاعية انعكست على مختلف سلوكياتها في شتى المجالات في مختلف الولايات العثمانية خاصة اليمن دون اعتبار للتطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية السائدة في معظم الأوروبية " .
   وهو يقصد باليمن هنا شمالها الغربي - كما هي عادتهم - أما جنوبها الشرقي فكان واقعًا تحت تأثير ما أشار إليه من تطورات لخضوعه للهيمنة الأوربية ممثلة في الوجود البريطاني المباشر في عدن وغير المباشر في سائر الكيانات الجنوبية والشرقية ، ولاسيما حضرموت صاحبة أكبر جالية من المهاجرين الذين انفتحوا على العالم حولهم .
   وبدوره يقول الدكتور عبد العزيز المقالح حول ذلك التباين بين ثقافة الفريقين بتأثير المستبد الإمامي والمستعمر الأوروبي :
   " إن ثقافة بعض الأدباء المحظوظين في المناطق المستعمرة تتكون عادة من خليط من ثقافة المستعمر والثقافة الوطنية ... وهذا ما حدث في عدن ... وإذا كان هذا هو شأن الاحتلال فإن الاستبداد على النقيض في مجال التعليم وإن كان على اتفاق معه في مجال الاضطهاد فهو - أي الاستبداد – يحافظ على الجهل لنفسه أولاً ولأبنائه ثانيًا ثم لبقية المواطنين ثالثًا حتى يضمن السيطرة الأبدية على الشعب ، وهذا عين ما حدث في شمال الوطن حيث كان الجهل مخيمًا والتخلف يسود كل شيء ... وقد شكلت هذه الخلافات أهم الفوارق بين أدباء الشطرين " .
   وقد ترتب على تلك الفوارق نتائج في التطور الاجتماعي والسبق الثقافي والأدبي في اليمن أخطأ كثيرون من دارسينا تقديره بسبب ( العقدة الشمالية ) ، والعقدة السلبية المعاكسة لكثير من مثقفي الجنوب وحضرموت ، حتى جاء هذا الباحث من ( الشمال ) – هو الدكتور محمد بن أحمد الزهيري - ليقرر الحقيقة واضحة لمن لا يستطيع أن يراها من ( المعقدين ) فقال :
   (( أما القول أن شعر الإحياء ظهر في نهاية الثلاثينيات وبداية الأربعينيات وهي مرحلة ظهور الحكمة وفتاة الجزيرة فإنما يدور حوله الزبيري وزملائه ، وهو قول صحيح إذا نظرنا نظرة تشطيرية ، حيث إن هذا القول ينطبق على الشطر الشمالي ( سابقاً ) الذي كان يعيش في عزلة سياسية وثقافية واجتماعية تحت ظلال الحكم العثماني والإمامي ، ولا ينطبق على الشطر الجنوبي ( سابقاً ) ... فهو لم يعرف العزلة لاسيما أصحاب حضرموت الذين تعودوا التنقل والسفر )) .
فمتى ستعود أيام بني رسول ؟